«قررتُ بكامل إرادتى أن أترك الشقاوة واعمل الواجب وارحم نفسى من التذنيب واسمع الكلام وأكون محترما فى البيت وفى المدرسة»..تفاصيل الحكاية بأمانة: أن التلميذ «شريف» 8 سنوات، قضى سنتين فى الروضة وأربع فى المدارس مع العنف والشقاوة بكل معانيها.. لا يوجد مكان فى وجهه أو فى رأسه إلا وفيه أثر لجرح أو كدمة تسجل حكاية مع التنطيط والتخبيط والضرب والانزلاق والسقوط.. داخ الوالدان والمدرسون بكل الطرق والأساليب التربوية فى تعليم «شريف» الهدوء والاتزان والرزانه لكنهم فشلوا.. كانت العقوبة الدائمة هى النقل من المدرسة، أغرب التفسيرات «الشقاوة تنتقل بالوراثة أو بالعدوى كالجديرى المائى وانفلوانزا الطيور، ويستسلم والده ويحمل الدوسيه ويذهب من مدرسة لأخرى وتخضع الأسرة لاختبار آخر فينجح الجميع فى اختبار العقل والرزانة إلا «شريف».. وحتى إذا نجح وقبلته احدى المدارس يعود يوميا بقميص مقطوع أو سنه مكسورة أو حقيبة مفقودة.. وفى البيت مكانه المفضل فوق باب الحجرة أو متعلقا بنجفة فى السقف أو فوق نيش السفرة، ذهب والده للعمل بالسعودية واصطحب معه «شريف» وأم «شريف» وأختى «شريف».. بصعوبه بالغة وجدوا مدرسة «فدائية» قبلت به.. وبصبر شديد كانوا يتلقون كل يوم الشكاوى بكل لغات العالم.. الأوردية.. والهندية.. والشامية.. والخليجية.. داخ المدرسون والمدرسات فى إيجاد طريقة لترويضه.. بالرياضة وبالكتب والواجبات المدرسية.. لكن كل ذلك لم يثنه عن التنطيط والشقاوة والعدوانية، وبعد هبوط أسعار البترول، عادت الأسرة إلى القاهرة وبدأ والده معاناة البحث عن مدرسة، قبلته مدرسة بعد أن دفع رسوما مضاعفة فتجددت الشكاوي.. المرة الوحيدة التى لوح والده أن يستخدم أسلوب العقاب هدأ «شريف» فى أول النهار.. وفى آخر اليوم كان على غير العادة شاردا وصامتا ومشغولا بأمر ما..بعد محايلة ووعود بخروجه وفسحة وهدايا حكى لوالده حكاية «واحد صاحبه» قرر أن يترك البيت ويمشى لأن والده يضربه.. وعندما سأله والده هايمشى يروح فين.. اصطحبه إلى البلكونه فى شقتهم بالدور الحادى عشر.. أشاروإلى مطلع الكوبري. وقال إنه سيمشى ويعبر الكوبري.. ويمشي.. وستكون حقيبته خفيفة وليس فيها كتب سيأخذ فقط علبة الألوان وقلم الماركر، سيجد رجلا بطرطور ومعه لعب للأولاد الزعلانين .. كان هذا الحوار جرس الإنذار.. اعتبره أبوه كارت تهديد بالتصرف الذى ينتويه إذا سولت له نفسه استخدام الضرب .. وعاد «شريف» مرة أخرى لممارسة الشقاوة الفطرية.. وعادت الشكاوى وتكرر العقاب والتذنيب فى الكلاس.. وكلما زاد العقاب يرد «شريف» بشكل أكثر إبداعا.. إلى أن دخل حياته كائن اسمه مانكو.. فمن هو مانكو؟.. هو قرد جميل بعينين صافيتين وابتسامة شقية على شفتيه، احبها «شريف» كثيرا كما أحب مانكو، اهداه له ابن عمته، سأله عن بلد المنشأ والمدينة واسم المصنع، وجلس ساعات أمام النت ليتعرف على موقع المصنع.. وأصبح مانكو صديقه المفضل وشريكا دائما فى كل تفاصيل حياته، يأكل معه ويلعب معه ويكتب الواجب بيد وفى اليد الأخرى مانكو يتلقى منه التوجيه بالإجابة أحيانا، وهو معه فى شنطة المدرسة وفى السرير والحمام، وصاحبه فى معارك الشقاوة، وأذا شعر بضيق يشكو لمانكو واذا شعر بالبهجة والفرح يفرح معه وينط من الدولاب والحقيبة، ويصحبه فى السيارة ويشاركه فى النادي.. ومنذ أيام احتفل «شريف» بعيد ميلاده الثامن وكان يوما تاريخيا فى حياته وأسرته، قابلنى «شريف» على الباب مبتهجا وقال لي: الم تسمع آخر خبر؟ قلت: ماهو بسرعة؟ قال: بقالى يومين معملتش شقاوة، قلت له مازحا: خير القيامة قامت، قال: لا عشان خاطر مانكو، لما بعمل شقاوة ماما بتعاقبه معايا، واخر مرة شدته منى واتقطع ولما بكيت كتير أصلحته لى بالابرة، ولما صحيت لقيت مانكو بيقول لي: انت بتتعاقب من كل الميسات يا«شريف» وبتتذنب كتير،عشان المسز بيطردوك من الكلاس، وكمان انا بتعاقب واتقطع واتخيط بالابرة.. ثم قال لى «شريف» وأنا مندهش مفتوح العينين وانا ياعمو قررت اسمع كلام مانكو واتفقت معاه أبطل شقاوة لمدة 10 سنين. رغم مرور شهرين مازالت «المعاهدة» سارية مع فتور متصاعد بينهما! تقول الدراسات: إن 10 ملايين طالب فى مراحل التعليم حتى الثانوى يمضى بهم قطار التعليم رغم أنفهم دون أن يجربوا هذه الوقفة مع النفس، وثمانية ملايين منهم يأخذون هذا القرار بعد فوات الأوان، ومليون ونصف منهم يأخذون هذا القرار بعد محايلات وإغراءات أو بسيف الفقر والمجموع فى الثانوية ليدخل مرحلة جديدة من الضغط النفسى والخوف من ضياع حلم كلية القمة، وفى الجامعة يبدأ مرحلة جديدة من العدوانية قد تنتهى به الى جماعة إرهابية أوتناول الأقراص المخدرة، وتتعدد أسباب الشقاوة والحركة الزائدة منها الضغط العصبى بسبب خلافات فى الاسرة أوقضاء ساعات طويلة فى الفرجة على التليفزيون وألعاب الكمبيوتر مما يصعب عملية انسجامه مع محيطه الإجتماعي، وعدد محدود جدا من الأطفال الذى يأخذ قرار الهدوء المفاجيء ومراجعة النفس بإرادته بينهم «شريف».. وحكايته تثبت أن الطفل العربى يولد بضمير عبقرى حر، ونظام التربية والتعليم هو الذى يصنع منه مواطنا صالحا أو يسقط فى مؤامرة شيطنته فيصنع منه طاغية أو عبدا.. لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;