من قواعد لعبة السياسة اتقان ارتداء الأقنعة وتبديل الأدوار في مهارة وثقة وفقا لمعطيات المرحلة ولغة المصالح، وقد برع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في هذا منذ أن تولي السلطة عام 2002، وإذا كانت أبرز مواقفه ما حدث في مشهد منتدي دافوس الاقتصادي يوم 29 يناير عام 2009 عندما ارتدي ثوب الفرسان دفاعا عن الفلسطينيين وتنديدا بتحويل قطاع غزة إلي سجن كبير مكشوف وعزله عن العالم، فما كان التطبيع الأخير مع إسرائيل -التي صنعت هذا السجن- في 28 يوليو 2016 إلا دليلا دامغا علي سقوط القناع الذي وضعه أردوغان علي وجهه منذ أعوام، وسرعته الفائقة في تغيير الجلد وخلع المبادئ مقابل التحالف مع الشيطان. فقد وقعت كل من تل أبيب وأنقرة اتفاق مصالحة لإعادة تطبيع العلاقات، التي انقطعت بسبب الهجوم الإسرائيلي علي أسطول الحرية في طريقه لكسر الحصار عن غزة عام 2010، وتضمن الاتفاق تبادل السفراء والزيارات، فضلاً عن تعهدات الجانبين بعدم العمل ضد بعضهما في أروقة المنظمات الدولية . وأمام توتر العلاقات يوما بعد يوم بين تركيا ودول الخليج، خصوصا بعد تفجر الأزمة القطرية وإسراع الحكومة التركية لانتشال الدوحة، خرجت أنقرة عن خط المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي وحماية القضية الفلسطينية من التصفية، حيث كشفت وسائل إعلام إسرائيلية النقاب عن العلاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية بين تل أبيب وأنقرة لتفضح الشعارات الزائفة التي دائما ما يرفعها أردوغان، وذلك من واقع حجم التبادل التجاري في «حلف الشيطان» والذي بلغ 4 مليارات دولار سنويا. وأكد موقع «المصدر» الإسرائيلي أن شهر أبريل الماضي شهد إرسال أردوغان أكبر بعثة تجارية من نوعها إلي تل أبيب ضمت 100 ممثل عن شركات تركية من قطاعات أعمال مختلفة. وعسكريا، كشف موقع «ديفينس إسرائيل» أن الجيش الإسرائيلي بدأ في تسليح الأتراك بأحدث المنظومات القتالية من صواريخ وقنابل وغيرها، تحت مسمي قتال تنظيم «داعش» الإرهابي، موضحا أن التعاون اللوجيستي تبلور بين تركيا وإسرائيل بصورة مبكرة عن اتفاق التطبيع عندما ارتفعت قيمة صفقات السلاح إلي 3.5 مليار دولار عام 2012. ولم يكتفِ السلطان العثماني الجديد بهذه الحزمة الدسمة من الاتفاقيات مع العدو الإسرائيلي، بل لعب بورقة الغاز ليغازل بها العرب والقوي الغربية، حيث أكدت نائبة القنصل العام الإسرائيلي بتركيا شاير بان تسيون أن تل أبيب وأنقرة تستعدان لتوقيع اتفاقية الغاز الطبيعي نهاية العام الحالي. حول إنشاء أنبوب للغاز الطبيعي لنقل الغاز منها إلي تركيا، ليتم وفقا للصفقة ضخ 10 مليارات متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلي تركيا اعتبارا من عام 2019. وقد ينفتح الباب مستقبلا أمام أشكال أخري من التطبيع تغذي أطماع العثمانيين الجدد الذين قرروا بيع أنفسهم لمن يدفع أكثر ويبتلع أكثر.