أعتقد ولست وحدي أن ثورة يوليو حدث عظيم يصعب تكراره, ومع ذلك فإن توقف آلياتها بحكم الانتقال الطبيعي من الشرعية الثورية إلي الشرعية الدستورية لا يعني أن مبادئها يجب أن تتواري أو أن أحلامها لم تعد ملهمة. وإنما العكس هو الصحيح بدليل هذا الكم الهائل من الشعارات المرفوعة لصالح ثورة يوليو وإنجازاتها في معظم العواصم العربية حتي اليوم! إذن.. فإن الثورة موجودة ومبادئها مازالت قائمة وأحلامها مازالت ملهمة ولكن بفكر جديد وصياغة جديدة ومنهج جديد يرتكز علي تعدد الرؤي وحرية الإبداع تحت رايات الديمقراطية التي كانت من بين المباديء الستة الأساسية لثورة يوليو, ولم تأخذ طريقها للتحقيق لأسباب متعددة بعضها نتيجة لتلاحق تحديات الخارج تباعا, والبعض الآخر كان نتاجا طبيعيا لأوزار الحكم الفردي من ناحية, وطبيعة متطلبات التوازن الدقيق في لعبة صراع السلطة بين مراكز القوي في مختلف المراحل من ناحية أخري. ولست أظن أن أحدا يملك أن يشكك في ولاء وانتماء جيلي بأكمله لثورة يوليو وهو الجيل الذي تفتحت عيونه علي الدنيا مع ثورة يوليو ثم انخرط بأكمله تقريبا في صفوف القوات المسلحة المصرية عقب نكسة يونيو1967 ضمن أوسع عملية إعادة بناء للجيش المصري الذي نال في زمن قياسي شرف غسل عار النكسة متدرجا من الصمود الوقائي إلي الصمود الإيجابي إلي حرب الاستنزاف ثم إلي ملحمة العبور في أكتوبر.1973 ومن ثم فإن أحدا لا ينبغي له أن يتصور للحظة أنني أتهجم علي ثورة يوليو عندما أقول إن هذه الثورة العظيمة بإنجازاتها العظيمة كانت لها أيضا سلبيات اعترف عبدالناصر نفسه بها بعد نكسة يونيو1967 وأوردها صراحة في بيان30 مارس1968, وأهمها أن الثورة عجزت عن أن تنشئ تنظيما شعبيا يحمي مبادئها وينتصر لأفكارها, ويضمن الاحتفاظ المستقبلي لحلمها ومشروعها. بل إن عظمة عبد الناصر نفسه أنه كان مدركا لهذه الحقيقة, ولكن لم تسعفه الظروف وتوازنات السلطة في أن يستكمل بناء التنظيم السياسي المعبر عن أفكار ومبادئ الثورة بعيدا عن رافعي الشعارات ومحترفي التصفيق والتهليل الأجوف لأي حاكم. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: قمة الضعف في السكوت علي الباطل لكسب رضاء أولياء النعم! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله