دخلت قطر حاليا فى مرحلة جديدة من مراحل إنفصام الشخصية أو ما يسمى «الشيزوفرينيا»، فالمتابع لتصريحات الدوحة يجد أن تصرفاتها المتناقضة والمرتبكة هى السمة الأساسية التى تميز سلوكها، ليس فقط تجاه الدول الأربع الداعية لمكافحة الارهاب (مصر والسعودية والامارات والبحرين)، إنما أيضا تجاه العديد من البلدان العربية الأخرى التى لا تزال تعانى من ممارساتها الفجة التى تنتهجها لزعزعة أمن واستقرار المنطقة. ففى الوقت الذى وقعت فيه قطر على الإتفاق الثنائى لمكافحة الارهاب مع الولاياتالمتحدة خلال الجولة التى قام بها الأسبوع الماضى ريكس تيلرسون وزير الخارجية الأمريكى الى كل من قطر والكويت والسعودية، فإنها مازالت تعلن بكل تعنت ومكابرة رفضها لقائمة المطالب الثلاثة عشر لدول المقاطعة والتى كانت قد وافقت عليها من قبل خلال اتفاق الرياض عام 2013 والاتفاق التكميلى له عام 2014. وبالرغم من أن قطر قد وقعت وقتها على تعهدات كان من ضمنها عدم إحتضان أو تمويل أى أنشطة أو تنظيمات إرهابية مناهضة لجيرانها فى الخليج ومصر وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، إلا إنها أنكرت، بوجه مكشوف، علمها بهذه التعهدات، وما زالت تمارس هوايتها المفضلة فى قلب الحقائق وتشوية صورة دول المقاطعة أمام العالم الخارجي، والتحريض على العنف والارهاب من خلال آلتها الإعلامية متمثلة فى قناة «الجزيرة». ترى أى حال هذا من التناقض و«الشيزوفرينيا» تعيشه حاليا هذه الدولة الصغيرة بين جيرانها فى الخليج، وما هى السيناريوهات المتوقعة التى سوف تنتهجها الدول الداعية لمكافحة الارهاب فى حال إذا ما استمرت هذه الحالة «المرضية» التى تعيشها قطر؟ يقول حسن فايد باحث وأكاديمى فى جامعة الإمارات إن هناك ارتباطات ومصالح قوية ترجع إلى أكثر من عشرين عاما بين قطر والمنظمات الإرهابية, حيث تجد الأخيرة الصدر الدافئ الذى يمول عملياتها فى المنطقة، موضحا أن دول المقاطعة تعلم أن الأزمة القطرية لن تنتهى بين ليلة وضحاها، لذلك فهى على موعد مع عدة سيناريوهات وضعت بالفعل لمواجهة أفعال الدوحة الإجرامية. ويضيف الباحث الاماراتى أن من ضمن هذه السيناريوهات اللجوء الى مجلس الأمن لإدانة قطر على تمويلها وإحتضانها المؤسسات المتطرفة كذلك تجميد عضويتها فى مجلس التعاون الخليجى والجامعة العربية،مشيرا الى أن دول المقاطعة لن تمانع أيضا فى مضاعفة العقوبات الاقتصادية فى حال تعنت قطر المستمر. ويرى كثير من المحللين أن الدول المعنية بمكافحة الارهاب قد بلورت بالفعل أفكارها ورسمت سيناريوهات مستقبلية فيما يتعلق بعلاقتها مع قطر قد تكون الأسوأ على مدار تاريخ الدول الخليجية، خاصة بعد الزيارة التى قام بها ريكس تيلرسون الى الخليج والتى وصفت «بالفاشلة». فتصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى يقول فيها «أن قطر معروفة بتمويل الإرهاب» تتناقض بصورة واضحة مع الموقف العلنى لوزير خارجيته الذى أكد فيه أن رد سلطات قطر على مطالب دول المقاطعة كان «منطقيا». ويتساءل المحللون عن أهمية توقيع هذا الاتفاق الثنائى لمكافحة الارهاب بين قطر وأمريكا فى هذا التوقيت تحديدا بالرغم من أن دول المقاطعة لديها الأدلة التى تثبت أن الدوحة تدعم وتمول العنف والارهاب والتطرف. ويبدو ظاهريا أن هذا الاتفاق الثنائى الورقة الرابحة لقطر فى عيون الدول الخارجية، فتظهر أمامهم بأنها ضد فكر العنف والارهاب وأنها المفترى عليها من جانب دول المقاطعة، وخير دليل على ذلك أنها توقع مع أكبر دولة فى العالم هذا الاتفاق الثنائى لمكافحة الارهاب. ولكن الدبلوماسية العربية أيقنت منذ الوهلة الاولى هذه الخدعة التى تحاول قطر أن تصدرها للعالم. فبخلاف الوثائق التى كشفتها مؤخرا قناة «سى إن إن» الإخبارية، والتى تبين تنصل الدوحة من تعهداتها الملزمة بالكف عن إحتضان رؤوس المنظمات المتطرفة وتمويلها، وبخلاف أيضا الجولات المكوكية لوزراء خارجية دول المقاطعة للخارج التى تم فيها توضيح مؤامرات قطر الإرهابية، فقد أثبت عدة دول عربية وخاصة دولة الامارات بالدليل القاطع مؤخرا أن الدوحة قد نسجت على مدى عقدين من الزمان خيوط مؤامراتها الكبرى بهدف التحريض على الحكومات العربية من خلال دعم تنظيمات سرية كجماعة الاخوان المسلمين وذلك لزعزعة أمن واستقرار هذه الحكومات. فقد كشفت الإمارات فى لقاء بثه تلفزيون أبوظبى مع القيادى الإخوانى عبد الرحمن السويدى الذى يقضى عقوبة السجن فى الإمارات عن دعم الدوحة المباشر من خلال جماعة الاخوان المسلمين الإرهابية فى إطار مخطط نشر الفوضى فى الدول العربية. وأوضح السويدى فى لقائه التليفزيونى أن الدوحة كانت وراء إرسال مدربين إلى دولة الإمارات عام 2010، لتدريب شباب الاخوان على استخدام وسائل التواصل الاجتماعى لتنظيم المظاهرات المناهضة للحكومات العربية وإحداث الفوضى كانت نتيجتها مظاهرات وانقلابات فى دول «الربيع العربي». ويؤكد حسن قايد الباحث الاماراتى أن مع كل هذه الأدلة التى يمتلكها العديد من الدول العربية مثل مصر والامارات وليبيا وغيرها من بلدان المنطقة والتى ثبت فيها تورط الدوحة فى عمليات إرهابية، ومع التصريحات الامريكية المتناقضة فى الأزمة القطرية، كان لا بد من وضع سيناريوهات عاجلة للتعامل مع هذه الدولة المارقة التى أعطت بالفعل كلمتها الأخيرة وهى عدم التجاوب مع الدول المعنية لمكافحة الارهاب. وأخير إذا أرادت قطر أن تخرج من عزلتها وتعيش بصورة طبيعية وسط أشقائها العرب فعليها ألا تغرد خارج السرب الخليجى وتكف عن منهج الاستقواء بالخارج أمثال (إيران وتركيا) وتقرن أقوالها، التى تزعم فيها أنها تقف مع الدول الداعية لمكافحة الارهاب، بالأفعال الملموسة على أرض الواقع لإعادة بناء الثقة مع جيرانها العرب، ومن دون ذلك ستبقى قطر تعيش فى حالة «مرضية» لا شفاء منها أبدا.