'يا جبل ما يهزك ريح' عبارة كانت كثيرة الترداد علي لسان الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات تلخص صموده وصمود الشعب الفلسطيني وتعكس عظم وجسامة الأحداث التي مر بها باعتباره رمزا .. كرس حياته مطالبا بحق شعبه في'تقرير مصيره, لكن يبدو أن هذا الجبل الشامخ استطاع أن ينال منه' السم' أقدم وسائل الفتك بالأعداء التي عرفها الإنسان لما له من ميزة القتل البطيء والذي يصعب اكتشافه ويضيع معه معرفة القاتل الحقيقي, فبالرغم من مرور ثمانية أعوام علي وفاة عرفات عام2004 فإن الغموض ما زال يكتنف تلك الوفاة التي سوف تظل تشغل العالم لأعوام قادمة. لكن لغز مقتل عرفات عاد بقوة أخيرا ليتصدر المشهد السياسي العربي والدولي من جديد عقب التحقيق الاستقصائي الذي قناة الجزيرة الأسبوع الماضي وكشف النقاب عن أن خبراء معهد' رادييشين فيزيكس' في لوزان بسويسرا- الذي حلل عينات بيولوجية أخذت من بعض مقتنياتاستعملها عرفات قبل فترة وجيزة من وفاته, سلمتها أرملتهإلي المستشفي العسكري في باريس- قد عثروا علي مستويات عالية من البولونيوم الذي يعتبر مادة شديدة الإشعاع والسمية, وقال خبراء في علم الأدلة الجنائيةإن ما توصل إليه الباحثون عن وجود مستويات عالية من البولونيوم في مقتنيات الزعيم الراحل عرفات,دليل علي تسميمه, ودعا الخبراء إلي مزيد من التحقيق العلمي وفحص رفات عرفات, قائلين إن أي تأخير قد يضر بنتائج التحقيق, وقد أثار التحقيق عن موت عرفات مسموما ردود فعل واسعة, حيث طالبت السلطة الفلسطينية بتشكيل لجنة تحقيق دولية علي غرار اللجنة المكلفة بقضية اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري وبدأت اللجنة المختصة بالتحقيق في عملية اغتيال عرفات أعمالها بالتوجه لفرنسا وسويسرا للبحث عن لغز وفاة أبو عمار ومتابعة الظروف التي كانت محيطة به وطلب الرئيس الفلسطيني نظيره الفرنسي, خلال لقائهما, أي معلومات طبية أو أمنية من شأنها المساعدة في التحقيق في ضوء المعلومات التي أثيرت أخيرا, كما طالبه أيضا بدعم تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الحادث, ومن المرتقب خلال الأيام المقبلة أن يتوجه خبراء إلي المختبر الذي كشف عن وجود مستويات من البولونيوم في متعلقات عرفات لإجراء المزيد من الفحوصات, وأوضح مسئولون أن الخبراء سيطلبون المعلومات الكاملة من فريق الأطباء حول ما توصلوا إليه وما هو مطلوب لكشف المزيد من الحقائق. وخرجت الاتهامات باتجاه إسرائيل صاحبة المصلحة في التخلص من عرفات وأنها كانت سياسية بامتياز, مذكرا بتصريحات إسرائيلية تعود إلي عام2002 اعتبرت عرفات حجر عثرة في طريق السلام ودعت إلي التخلص منه أما حركة حماس فطالبت بتشكيل جبهة عربية لرفع دعوي قضائية ضد إسرائيل لشكها في أن الحادثة مدبرة, مؤكدة أن إسرائيل سعت لمعاقبة عرفات علي مواقفه المتشددة تجاه عملية التسوية, إلا أن إسرائيل قابلت ذلك بالنفي القاطع واصفة الاتهامات بأنها عارية تماما عن الصحة, وزعمت صحيفة' جيروزاليم بوست' أن النسبة المرتفعة من البولونيوم تم زرعها في ملابسه بعد وفاته بفترة, واستشهدت الصحيفة برأي خبير متخصص في الهندسة الكيميائية بأن مضي نصف عمر فاعلية المادة831 يوما- يجعل من المستحيل اكتشاف مستويات عالية من البولونيوم نظرا لتحلل نسبة كبيرة منه وذلك إذا كان قد استخدم لقتل عرفات قبل ثماني سنوات مضت, وأنه إذا تم استخدام المادة لتسميمه فإنه ينبغي اكتشاف مستويات منخفضة جدا الآن. أخيرا, يبدو أن سر مقتل عرفات سوف يظل لغزا مستعصيا علي الحل ما لم تتوافر الإرادة الدولية لفك طلاسمه وتقديم المعلومات المتاحة وكامل الدعم لإجراء المزيد من التحقيقات, لكن يبقي السؤال الأهم مطروحا, هل إذا ثبت ضلوع إسرائيل في عملية الاغتيال سوف تتم محاسبتها ومعاقبتها من قبل المجتمع الدولي عامة والولايات المتحدة الداعم الأكبر لها علي وجه الخصوص ؟