كان على حق محافظ البنك المركزى طارق عامر ،عندما اعلن منذ اسابيع ،ان الاقتصاد المصرى تجاوز مشكلة النقد الاجنبى ، يكفى التعرف على المؤشرات التى تضمنها تقرير ميزان المدفوعات للربع الثالث من العام المالى الذى تم اعلانه الإربعاء الماضى ،التقرير كشف عن تحقيق 11 مليار دولار فائضا فى ميزان المدفوعات ، خلال 9 اشهر من السنة المالية الحالية – من يوليو 2016 وحتى نهاية مارس الماضى – اكثر من 85% منها خلال الاشهر الخمسة التى اعقبت تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر الماضى ، والامر الاكثر اهمية هو استمرار تراجع العجز فى حساب المعاملات الجارية للمرة الثانية على التوالى اذ تراجع بنحو 38%فى 3 اشهر من يناير الى نهاية مارس الماضيين ، وكان لتراجع العجز فى الميزان التجارى دور بارز فى هذا الشأن اذ واصل تراجعه من شهر لآخر حيث تراجع فى ابريل الماضى بنحو 45% وواصل التراجع فى مايو بنحو 48% وفقا لجهاز الاحصاء ، كما تراجع بأكثر من 8% خلال الربع الثالث من العام المالى من يناير الى مارس 2017،مدفوعا بزيادة الصادرات بما يقرب من 30%، الامر ببساطة يرجع – فى الجانب الاعظم منه - الى معالجة الخلل والتشوهات بعد تحرير سعر الصرف ، ما انعكس ايجابيا على تنافسية المنتج المصرى ، ووضعه على قدم المساواة مع المنتج الاجنبى ، كما ساعد على ترشيد الاستيراد العشوائى بعد أصبحت السوق المصرية مرتعا للسلع الرديئة غير المطابقة لاية مواصفات . ثمة مؤشر آخر لايقل اهمية ضمن النتائج الايجابية ،يتعلق ببدء عودة حركة السياحة حيث شهدت الإيرادات السياحية زيادة بنحو 706.2 مليون دولار، لتصل إلى نحو 1.3 مليار دولار خلال الفترة من يناير إلى مارس 2017، مقابل 550.5 مليون دولار خلال الفترة المناظرة بنسبة نمو 128.3%، وهى وان كانت لاتزال ضئيلة إذا ما قورنت بما كانت عليه قبل ثورة 25 يناير 2011 ، او حتى قبل سقوط الطائرة الروسية ، الا انها تدعو للتفاؤل فى بدء استعادة قطاع السياحة عافيته، وهو القطاع الاكثر تأثيرا فى تنشيط قطاعات اقتصادية متعددة الى جانب انه مصدر رئيسى للنقد الاجنبى ، واستعادة عافيته ستسهم بشكل كبير فى استقرار سوق الصرف وتعزيز قيمة الجنيه . تحرير سعر الصرف ساهم فى زيادة ملحوظة فى تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنحو 964.8 مليون دولار، بمعدل زيادة بلغ 13.8%، لتصل إلى نحو 8.0 مليار دولار خلال الفترة من نوفمبر إلى مارس (2016/2017)، اضافة الى الطفرة الكبيرة فى استثمارات الأجانب فى أذون الخزانة المصرية لتسجل نحو 11 مليار دولار منها 4 مليارات دولار فى الأسابيع الثلاثة التى اعقبت قرار رفع سعر الفائدة . ولعل من اهم النتائج التى تحققت بعد تحرير سعر الصرف ، القضاء على السوق الموازية للعملة، وتوحيد سعر الصرف ، وهو المطلب الأساسى لجذب الاستثمار ، وقد بدأت نتائج ذلك تظهر حيث تزايد تدفق الاستثمار الأجنبى المباشر إلى السوق المصرية بنحو 12%، لتسجل نحو 11.0 مليار دولار تقريباً خلال الفترة من يوليو إلى مارس «2016/2017»، وبلغ نحو 6.8 مليار دولار خلال الاشهر الاربعة الاولى من العام الميلادى الحالى 2017 . ولعل المؤشر المهم ايضا يتعلق بتراجع المدفوعات باستخدام بطاقات الدفع الإلكترونية فى الخارج بنحو 70% خلال الفترة من يناير إلى مارس 2017، ما يقلل من المخاوف من زيادة الطلب على العملات الاجنبية بعد الغاء قيود التحويلات للخارج ، لاسيما وان البنوك ألغت سقف الاستخدام لهذه البطاقات فى الخارج ، ولكن توافر الدولار جراء التدفقات الكبيرة فى شرايين الاقتصاد وتوفير البنوك العملات الاجنبية لجميع العمليات التجارية، يمثل رسالة طمأنة ويعزز الثقة ، ومن ثم لامبرر للتحوط او المضاربات . القرارات الادارية الاستثنائية لاتستقيم مع جذب الاستثمار او الاستقرار ، ومن ثم فإن إلغاء القيود على تحويل النقد الاجنبى للخارج يزيح كافة الاجراءات الاستثنائية ، ويعود بالاوضاع الى طبيعتها ، وهى الضمانة لعودة الاستثمار ، واستقرار سوق الصرف ، والاهم من ذلك ان دوائر الاستثمار والمال المحلية والاجنبية لها ان تثق فى الجدول الزمنى للاصلاح ، وتطمئن اكثر الى ان قطار الإصلاح يسير فى الاتجاه الصحيح حسب ما هو مأمول ومخطط .