عميد كلية أصول الدين فرض الله على أمة الإسلام الصيام, كما فرضه على الأمم من قبل, والغاية المرجوة منه والهدف الاسمى المقصود من تلك العبادة, تحقيق أمر التقوى وهذا ما نص عليه رب العالمين الذى تعبدنا بهذه الفريضة فقال عز اسمه فى القرآن الكريم : «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون», والتقوى مفهوم مشتق من الوقاية والوقاية مطلق الصيانة, وفى الشريعة صون النفس عما يوقعها فى غضب الله ومقته. ولما كانت النفس الإنسانية تحتاج دائما إلى الرعاية والعناية, بما يحقق لها حمايتها وما يصونها ويحيطها بسياج منيع, كانت تشريعات من خلقها على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام حاملة فى سلك نصوصها عوامل سلامتها, متضمنة سبيل بقائها محافظة عليها مما يدسيها ويدنسها, ففى التزكية فلاحها وفوزها وفى التدسية خيبتها وخسارتها, «ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها», وعبادة الصوم متى احتملت النفس مشقة الطاعة فيها وأدتها كما يريد الله لها أن تؤدى, كانت خير عامل على تزكية النفس وتهذيب سلوكها واستقامة أمرها, فتراها أمينة على كل شىء لأنها حققت معنى الأمانة فى عبادة السر القائمة على الإخلاص لله, كما جاء فى قول النبى صلى الله عليه وسلم:«كل عمل ابن آدم له إلا الصيام, الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف», يقول الله عز وجل: «إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به», أرأيتم رقيا فى تربية النفس وتهذيبها وتقويمها أعظم من عبادة تحقق فيها معنى المراقبة لله تعالى, فلا رياء ولا مباهاة ولا مفاخرة, بل إخلاص ومناجاة وسرية تامة بين العبد وربه فاستحق بذلك كله أن يكون جزاؤه بيد من ائتمنه على سره فلا يحد قدر الجزاء ولا يعرف مقداره إلا علام الغيوب. إن عبادة الصوم بكل ما تحمله من معان سامية وغايات نبيلة وأهداف شريفة, حصن حصين وحرز أمين لكل صاحب خلق كريم وسلوك قويم ومجتمع ربانى فى عبادته, هكذا يكون حاله مع ربه فينعكس سلوكه القويم وأخلاقه الفاضلة على مجتمعه الذى يعيش فيه, ووطنه الذى يؤويه وشعبه الذى هو فرد من أفراده لا يمكنه أن يعيش بمعزل عنه. والصائم عبد صالح طائع لمولاه, وقاه صومه من البغض والكراهية, وغسل صدره من أدران الحقد والأنانية, وأصبح أمينا على نفسه وعلى أسرته وعلى وطنه وأهله, لا يخادع ولا يغش ولا يخون ولا يستغل, ولا يحتكر ولا يحتقر ولا يغتر ولا يظلم, ولا يشهد زورا ولا يعين عليه ولا يعمل لصالح أعداء وطنه, ولا يكشف سرا استؤمن عليه, ولا يأكل حراما ولا يخرب عمارا, ولا يدمر بنية ولا يهدم عمرانا ولا يفسد أرضا أصلحها الله له, لأنه يعلم علم اليقين أن هذه الخصال المنهى عنها شرعا والمبغوضة طبعا وعقلا, تتنافى مع فريضة الصوم التى أداها حسبة لله. ألا فلتتعلم أمة الإسلام من فريضة الصيام ما تقوم به سلوكها وتهذب به أخلاقها, فتراها البشرية عناصر بناء وأرباب حضارة, وأدوات إصلاح ورسل سلام, ويوم يتحقق ذلك فى الصائمين يكونون قد حصنوا أنفسهم من الوعيد الذى أخبر عنه النبى: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه» ويكونون أهلا بأن يفرحوا فرحتين تحقيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقى ربه فرح بصومه.