على مواقع التواصل الاجتماعى يتفاعل الأعضاء مع حملات المقاطعة للسلع لمواجهة غلاء الأسعار تعدد تلك الدعوات والحملات والمبادرات حتى نتصور أن المصريين جميعا مقاطعون وجميعهم لن يشترى حتى يستجيب التجار. «بلاها لحمة.. بلاها سمك.. بلاها فراخ.. خليها تعفن.. يالا نوفر.. من غير ياميش ممكن نعيش».. كلها أسماء لحملات تفاعل معها المتابعون على صفحات التواصل الافتراضى.. لكن على أرض الواقع لم نجد لها أى صدى..لم تنخفض الأسعار ولم يقاطع أحد السلع ولم يرضخ أحد من التجار. وسط حالة الغلاء وارتفاع أسعار جميع السلع وعدم قدرة الحكومة على ضبط السوق والأسعار، ظهرت حملات مقاطعة أطلقها جمهور مواقع التواصل الاجتماعى، ورغم الحماس الإلكترونى فإن النتيجة صفر، ربما لأننا شعب مستهلك بالدرجة الأولى. فى دول أخرى كثيرة، نجحت حملات المقاطعة بالفعل فى التصدى لجشع التجار وكانت بالفعل سلاحا فعالا فى خفض الأسعار، لكن الأمر لدينا مختلف. السؤال: لماذا تنجح حملات المقاطعة فى الخارج فى خفض الأسعار وتفشل فى مصر؟ هل المصريون نفسهم قصير أم أننا لا نملك ترف المقاطعة؟ من بين تلك الحملات التى انضم إليها آلاف من ربات البيوت كانت حملة مقاطعة اللحوم والفراخ والأسماك تحت شعار «قادر أشترى بس هقاطع الغالى».. الحملة كان هدفها التوقف عن الشراء لمدة أسبوع مبدئيا تمتد لأسبوعين بعد ذلك. تروى ماجدة عبد اللطيف عضو مبادرة «تعالوا نوفر» بالإسكندرية أنها أطلقت حملة وانضم لها عدد كبير من السيدات واتفقن على التوقف عن شراء اللحوم والدواجن حتى يستجيب التجار ويخفضوا الأسعار، وكانت تقوم بالاستفسار من المشاركات فى الحملة بسؤالهن: ماذا طبختن اليوم؟ للتشجيع وتبادل الخبرات فى الطبخ النباتى. وتقول: فوجئت بأن أغلبهن طبحن الدجاج على الغذاء, وعندما استفسرت عن ذلك كانت الإجابة الصادمة: اشترينا «خزين» قبل المقاطعة،فلا أحد يفهم معنى المقاطعة ولا الهدف منها ولا أحد يريد أن يتخلى عن عاداته الغذائية حتى ولو لأيام قليلة. محمد سمير شاب من الزقازيق أطلق مع شقيقه وصديق له حملة بعنوان «خليها تعفن» لمقاطعة شراء الأسماك لمدة أسبوع، ويقول: لم يكن هناك أى سبب منطقى لارتفاع الأسعار، فالسمك محلى ولا علاقة له بالدولار فلماذا ترتفع الأسعار؟وكان الحل هو المقاطعة ،لكن كانت النتيجة فيسبوكية فقط، فكنا نمر على الأسواق فنجد كل شىء على ما هو عليه نفس عمليات الشراء والبيع، فقد شاركونا فقط على الفيس بوك ولم يقاطع أحد..محمد من خلال تجربته مع مقاطعة الأسماك يؤكد أن جميع هذه الحملات ستبوء بالفشل ما لم تدعمها الدولة. لكن واقع الأمر يقول إن جهاز حماية المستهلك نفسه عندما دعا لمقاطعة الشراء أوائل شهر ديسمبر الماضى لم يستجب له أحد ولم يشارك أحد. داليا دراز عضو حملة «تعالوا نوفر» بالقاهرة الجديدة تقول إنه من خلال تجربتها اكتشفت أن الأسرة المصرية لن تتوقف عن شراء اللحوم والدواجن ولا أى سلعة وغير مستعدين لتغيير النمط الغذائى الذى اعتادوه، بعدما أيقنت ذلك قررت التصرف بطريقة أكثر عملية مع زميلاتها بالاتفاق مع تجار محددين على الشراء منهم كميات معينة بخصومات خاصة للعضوات كنوع من التوفير، كانت مقاطعة جزئية لتجار بعينهم يبيعون بأسعار أعلى لكن المقاطعة الكاملة كما تقول فى مصر شبه مستحيلة. دكتورة هالة يسرى أستاذ علم الاجتماع تشرح: غالبا ما تنجح تلك الحملات فى العديد من دول العالم فى خفض الزيادة غير المبررة للأسعار رغم فشلها فى مصر وتستمر الأسعار فى مسارها التصاعدى دون عوائق، وذلك لعدم وعى المستهلكين المصريين بأهمية وتأثير حملات المقاطعة من جهة وقصر نفس هذه الحملات من جهة أخرى. حملات المقاطعة أيضا نجحت فى خفض الأسعار بالعديد من الدول العربية، منها الأردن التى حققت فيها حملة مقاطعة البن بعد غلاء أسعاره نجاحا كبيرا وانخفض على إثرها السعر وكذلك فى انجلترا وألمانيا التى نجحت الحملات فى خفض أسعار منتجات الألبان والدواجن. وتعد تجربة مقاطعة الشعب الأرجنتينى لتجار البيض من أفضل التجارب التى يستشهد بها الاقتصاديون، وذلك عندما فوجىء الأرجنتينيون بارتفاع أسعار البيض بعد أن اتفق جميع التجار وأصحاب مزارع الدواجن لرفع سعر البيض فى وقت واحد، مما جعل الشعب يتراجع عن الشراء بشكل جماعى وبدون أى دعوات أو حملات للمقاطعة، لتكون المفاجأة للتجار عندما علموا من موزعيهم رفض جميع المتاجر لاستقبال أى كمية جديدة لعدم بيعهم أياً من الكميات القديمة المتكدسة لديهم، وانخفضت الأسعار فعليا 75%. أكثر من سبب يرجعه الخبراء لفشل حملات المقاطعة عندنا، أولها أننا شعب استهلاكى إضافة إلى غياب الدعم الحكومى وكبر حجم السوق، مصحوب بمشكلة ضعف الرقابة، وبالتالى فالتأثير لا يظهر على تخفيض الأسعار . ظاهرة فريدة أيضا عادة ما تسفر عنها حملات المقاطعة عندنا وهى ظهور ما يسمى منظومة السعر العكسى, والمقصود هو أن حملات المقاطعة لسلع معينة تؤدى من جانب آخر إلى ارتفاع أسعار المنافسة بشكل ضخم كما هو الحال أثناء حملة «بلاها لحمة» التى تسببت فى رفع سعر الدجاج والأسماك. وحسب د.هالة يسرى أستاذ علم الاجتماع فلن تنجح حملات مقاطعة، إلا بدعم حكومى كما يحدث فى كل دول العالم تقريبا مع ضرورة رفع الوعى الغذائى للمصريين وتغيير النمط الغذائى واتباع نظام صحى يحافظ على صحتهم ويحفظ أموالهم.