طالب عدد من خبراء الاقتصاد الإسلامي رئيس الجمهورية بإنشاء وزارة للزكاة لتكون مسئولة عن جمع أموال الزكاة وتوزيعها بعدالة علي الفقراء والمحتاجين. مؤكدين أن ذلك يعد ضرورة شرعية ووطنية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها عدد كبير من أبناء الشعب المصري. وأكد الخبراء أن عصور الإسلام الأولي شهدت مثل تلك الهيئات التي كانت تتكفل برعاية وكفالة الفقراء والمحتاجين من خلال أموال الزكاة التي كان يقوم عليها رجال يكلفهم الخليفة بجمعها من الأغنياء. وأوضح الدكتور محمد عبدالحليم عمر, أستاذ الإقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر أن الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام وهي عبادة مالية امتثالا لأمر الله عز وجل وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم والمقصود منها سد حاجات الفقراء والمعوزين وتحقيقا للتكافل الاجتماعي بين المسلمين, وهي فرض عين علي كل مسلم مالك للنصاب من الأموال الزكوية, ويثيب الله تعالي المزكين بالبركة في المال والصحة والأولاد لقوله تعالي وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين ومانع الزكاة إنكارا لفرضيتها خارج عن الملة ومانعها إهمالا وتكاسلا عاص لله عز وجل. وأشار إلي أن الحكومة لها دور مهم في تنظيم ومباشرة تحصيل الزكاة وصرفها فالله عز وجل يقول لرسوله صلي الله عليه وسلم خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وهذا أمر عام لكل من يتولي حكم المسلمين والرسول صلي الله عليه وسلم باشر هذه المهمة بتعيين العاملين علي الزكاة لتحصيلها وإنفاقها في مصارفها الشرعية وهو ما سار عليه الخلفاء الراشدون من بعده والدولة الإسلامية في عصورها المختلفة حيث كان يوجد بيت مال الزكاة في جميع أقاليم الدولة, وفي العصر الحاضر توجد أكثر من دولة إسلامية تتولي فيها الحكومات أمر الزكاة, وكون الزكاة عبادة لا يمنع من تولي الحكومة أمور تنظيمها تحصيلا وصرفا فالصلاة أم العبادات ومع ذلك تقوم الحكومات بتولي تسهيل إقامتها من خلال وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية في جميع الدول العربية والإسلامية, ومن الملاحظ أن المسلمين في مصر يخرجون الزكاة إما بأنفسهم أو من خلال الجمعيات والمؤسسات الخيرية ولكن ذلك تشوبه بعض الأخطاء مثل تكرار الصرف لبعض الناس أو صرفها في غير مصارفها المقررة في آية الصدقات وعدم الصرف علي بعض الأصناف المحددة في الآية وحرمان الفقراء المتعففين منها إلي غير ذلك من المخالفات الشرعية التي تؤثر في فاعلية الزكاة وقبولها من الله عز وجل. ويضيف أنه من هنا وفي ظل التحولات التي تشهدها مصر حاليا يلزم قيام الحكومة بدورها الشرعي والوطني بإنشاء وزارة أو هيئة عليا لتولي أمور الزكاة التي تقدر حصيلتها بنحو30 مليار جنيه وهي تبلغ إن لم تزد علي المخصصات لبعض الوزارات, ونظرا لأن للزكاة جانبا اجتماعيا وأن الزكاة محلية أي تنفق في المنطقة التي تحصل فيها, لذلك يجب المشاركة المجتمعية لمساعدة وزارة الزكاة من خلال إصدار قانون لتنظيم إدارة الزكاة تشكل من خلاله لجان علي مستوي القرية والحي ثم لجان علي مستوي الأقسام والمراكز ولجان أخري علي مستوي المحافظات وتتبع كلها لجنة عليا علي مستوي الدولة, وفي الماضي كانت هناك فكرة لقانون الزكاة وتم تقديم بعض مشروعات لقانون الزكاة علي مجلس الشعب عامي1979 و1984 ويمكن الإستفادة من بعض القوانين في الدول المعاصرة في حالة وضع قانون للزكاة في مصر الآن. ويؤكد الدكتور فياض عبد المنعم أستاذ الاقتصاد الإسلامي جامعة الأزهر أن هذا الاقتراح ليس جديدا علي الإسلام بل إن الإسلام في عصوره الزاهرة ومنذ العهد النبوي وعهد الصحابة رضي الله عنهم كان يوجد العاملون علي الزكاة ويذهبون بأمر من الخليفة لجمع الصدقات, وهذا يتضح في حديث الرسول صلي الله عليه وسلم عندما ذهب رجل يجمع الزكاة وعاد فقال: هذا لكم وهذا أهدي لي فرد الرسول صلي الله عيه وسلم أفلا يقعد أحدكم في بيت أبيه أو أمه وينظر أيهدي إليه أم لا, والشاهد هنا أن الزكاة كانت تؤخذ من الأغنياء وترد للفقراء, ويكفي أن نقول إن سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قد حارب مانعي الزكاة وقال والله لو منعوني عقالا كانوا يعطونه للرسول صلي الله عليه وسلم لحاربتهم عليه وهنا نقول أن الزكاة كانت لها منظومة إدارية تتحري أصحاب الأموال وتعرف أصحاب الحاجات وتسعي إليهم وتعطيهم من مال الله وتنفق عليهم وتسد حاجتهم وهو ما نحتاج إليه في الوقت الحالي. ويضيف أنه يجب علي الحاكم وولي الأمر أن يتحري جمعها من الأغنياء ودفعها للفقراء وأن يكون ذلك من خلال منظومة إدارية لها قواعد وأسس ومنهج واضح في الحصول علي الزكاة وتصريفها وأن يكون هناك تعاون بين وزارة التضامن الإجتماعي ووزارة الزكاة, فتقوم الأولي بمد الثانية بالبحوث الإجتماعية للمستحقين وحاجة كل منهم, فهذا يحتاج للدواء فيصرف له الدواء وهذا يحتاج للمال لكي ينفق علي أولاده في مراحل التعليم فيعطي المال وهذا يحتاج لمسكن فيتم توفيره له, والمؤكد أن قيام الدولة بهذا الدور المحوري سيكون سببا في حل أغلب المشاكل التي نعيشها اليوم وسنقضي علي البطالة والعشوائيات وكل ذلك سينعكس بالهدوء والاستقرار والأمن والأمان علي حالة الشارع المصري. ويشير إلي أنه فيما يخص قيام بعض الجمعيات بهذا الدور نقول إنه لم يكن علي الوضع الأمثل ولم تستطع تلك الجمعيات أن تقوم بدورها علي الوجه الأفضل لأن هذه الجمعيات قد تؤخر صرف تلك الأموال للفقراء والمحتاجين وقد لا تعرف احتياج كل فقير لكن عندما يتم تنظيم تلك العملية من خلال وزارة ويحدث تعاون بينها وبين وزارة التضامن سنضمن بشكل كبير عدالة في توزيع تلك الأموال, لأن هناك قري ونجوعا يعيش أفرادها في فقر مدقع ولا تستطيع تلك الجمعيات في القاهرة أو الإسكندرية أن تصل لهؤلاء الفقراء, لكن عندما تكون هناك وزارة للزكاة سيكون لها أفرع في المدن والمراكز وبالتالي نستطيع أن نصل إلي الفقراء في كل الجمهورية بشكل منظم, ويري أن فكرة إنشاء مشروعات بأموال الزكاة غير واقعية لأن الفقير يحتاج المال اليوم والمريض المحتاج لايمكن أن ينتظر لسنوات حتي يحصل علي العلاج فالفقير يحتاج المال ولا بد أن يحصل عليه في وقت الحاجة, أيضا هناك المسنون والمرضي الذين لا يستطيعون العمل فكيف يستفيدون من تلك المشروعات كل هذا يؤكد ويدلل علي حتمية إنشاء وزارة للزكاة.