ليس مطلوبا أن يشعر المرء «بالغرام» تجاه الآخرين، حتي ولو كان في الصين الكثير لما يغري بذلك. وفي زيارة خاطفة لحضور منتدي الحزام والطريق، واستكمال مباحثات تفعيل التعاون مع المجموعة الصينية للنشر الدولي.. شاهدت وسمعت الكثير مما سبق أن سمعته من قبل إلا أن السؤال الحيوي هنا: كيف نفعل «العلاقة الاستراتيجية ما بين مصر والصين». وأحسب أن الأمر يدعو للدهشة بقوة بشأن علاقات البلدين، فإذا كان الميزان التجاري يميل بقوة لصالح بكين. فإن ما يثير الاستغراب مثلما قال لي مسئول مصري كبير هو كيف أن الاستثمارات الصينية في مصر أقل من استثمارات اليمن. ومن جانبي قلت له إنني فوجئت بأن تايلاند مثلا هي أكبر دول الأسبان «استثمارا في مصر». والمسألة الأخري أن عدد السياح الصينيين الذين يأتون إلي مصر لا يتجاوزون 180 ألفا، وذلك من بين 120 مليون سائح صيني. هذه بعض ملامح الدهشة، والتي وصلت لدي إلي حد الاستغراب لعدم وجود أي زعيم عربي في القمة التي عقدت علي هامش المنتدي وجمعت 28 رئيس دولة أبرزهم فلاديمير بوتين. وأحسب أن الجانب الصيني لديه الحق في أن ينزعج بشدة من الغياب العربي، وذلك مثلما سمعت تصريحا وتلميحا من الجانب الصيني. كما أن الحوار دار بقوة حول التشويش الغربي، والمشكلات التي تواجه مبادرة الحزام والطريق والتي اضطر الجانب الصيني لتغيير اسمها عدة مرات، وذلك تارة بأنها «محاولة صينية للهيمنة علي العالم»، أو «مباردة جديدة لنهب ثروات الدول النامية». وأحسب أن بكين عليها أن تبذل جهدا أكبر. وأن تزيد من «استثماراتها» وأن تحسن الشروط حتي تكسب مزيدا من المتفهمين لحقيقة الجهد الصيني المبذول. وهنا تبرز مصر كإحدى أوليات الدول التي انضمت إلي المبادرة، وإلي جميع مؤسساتها. وأحسب أن مصر يمكنها أن تبدد الكثير من شكوك الدول النامية وخاصة الافريقية ، وأن تعمل مع بكين من أجل مزيد من المشروعات الكبري علي نطاق متعدد الأطراف مثلما تعمل مع اليابان، وأن تقدم النموذج الناجح نظرا لأن «قناة السويس» هي أحد المحاور الستة الكبري في مشروع الصين. وأحسب أن مصر هي بحق «بوابة طريق الحرير» مثلما حمل عنوان منتدي الاستثمار المصري الذي أقيم في بكين علي هامش منتدي الحزام والطريق وهنا فإن الانصاف يستدعي القول إن الصين تدرك أهمية مصر، إلا أنها ربما لم تدرك بعد أن مصر تغيرت بعد ثورتين، وأن الرئيس عبدالفتاح السيسي زعيم شعبي لديه «مشروع طموح» للغاية لمصر، وأنه ليس لديه «المزيد من الوقت» حتي يترجم آماله علي أرض الواقع. واذا كانت الصيني تري مصر مثلما رآها الآخرون جميعا «درة الشرق» «والجائزة الكبري» في الشرق الأوسط، فإن مصر ليست مهتمة كثيرا «بلعبة الانتظار» التي تجيدها بكين. فاللحظة المصرية الراهنة تحتم علي القيادة المصرية والنخبة المصرية أن تسرع الخطي وأن تبحث عن شركاء جادين للاستثمار في مصر سواء كانوا في الولاياتالمتحدة أو اليابان أو كوريا الجنوبية أو حتي تايوان. وهذا بالطبع في اطار الحرص علي «الشراكة الاستراتيجية» مع الصين، والالتزام بسياسة «الصين الواحدة» إلا أن الجديد الآن هو أن القاهرة لديها طابور طويل من القوي الراغبة والقادرة ممن يريدون «الشراكة المثمرة» معها. وهؤلاء يدركون قوة موقع مصر وتأثيرها، وأحسب أن المتحدثين الصينيين من كبري الشركات والمؤسسات الصينية في منتدي الاستثمار المصري وعلي هامش منتدي الحزام والطريق أشاروا إلي عمق العلاقة التاريخية بين القاهرةوبكين. إلا أنهم جميعا يدركون أنها «بوابة العبور» إلي المثلث الذهبي الذي يضم 16 مليار نسمة هم مجمل سكان الدول الموقعة علي «اتفاقيات شراكة وتجارة حرة مع مصر» سواء في دول الاتحاد الاوروبي أو الدول الافريقية أو الدول العربية ومثلما قال لي نائب إحدي كبري الشركات الصينية العالمية بوضوح» إنهم لايرون في «إفريقيا سوي مصر»، وطالبني بألا أذيع مادار بيننا لأن شركته تتفاوض علي أضخم مشروع شهدته القارة الافريقية. ووعدني بأن نلتقي في القاهرة قريبا لاستكمال الحوار نظرا لأنهم سوف يحضرون لاستكمال المفاوضات. وأحسب أن الجديد في اللعبة الآن هو أن مصر تفاوض جيدا، ولايذهب الوزراء إلي الخارج لتمضية أوقات الفراغ، بل يعرفون أن القيادة السياسية المصرية تحاسب بشدة علي النتائج، وأيضا علي مالم يتم الوفاء به. ولعل ذلك يفسر لماذا ذهب وزيرا التجارة والصناعة والاستثمار فقط، ولم يتمكن بقية الوزراء الستة من الذهاب إلي المنتدي. وأحسب أن الوزير طارق قابيل كشف عن بعض الرسائل «التي تفيد في استيعاب الجانب الصيني لحقيقة ما تغير في مصر، وهو ألمح إلي تواضع الاستثمارات الصينية، والي رغبة مصر في الحصول علي «جزء كبير» من مزايا الحزام والطريق، وأن تحصل مصر علي جزء ضخم من صناعة الغزل والنسيج التي ستذهب بها الصين إلي الخارج نظرا لعدم قدرتها علي المنافسة. إلا أن ما أستطيع أن أقوله هنا إن مصر ترتفع بها الأصوات التي تطالب بأن تكون الشراكة ليست بأي ثمن! وأن «البيانات الجميلة لم تعد تكفي، ويمكن إجمالا القول إن مصر تريد «استثمارات كبري، وصناعات القيمة المضافة، وصناعات كثيفة العمالة، وملايين السائحين (وهنا مصر تريد أكثر من 10 ملايين سائح صيني). وأحسب أن المرء لايذيع سرا إذا ما قال إن القاهرة تقيم علاقاتها بالآخرين بمجمل العلاقات وعلي كافة الاصعدة، وما إذا كانت تحصل علي نصيب عادل أم لا، وما إذا كان الطرف الآخر يسير بقوة وبسرعة مناسبة لمصر. لمزيد من مقالات محمد صابرين