لم يخالف الوسيط الدولى فى النزاع الليبى مارتن كوبلر الواقع عندما قال إن التوصل إلى حل للأزمة سيكون مهمة الأجيال القادمة حتى ولو كان قد بالَغ فى المدة التى ستنقضى قبل ذلك إعراباً عن إحباطه لعدم تجاوب أطرافها مع جهوده، فمازال كل منهم متمترساً وراء شروطه ومطالبه الشخصية والقبلية لإنجاز حل سياسى وتنعدم ثقته فى نية الآخر وأى جهة خارجية تتقدم بمبادرة للحل(أحدثها الجزائر)،ورغم أن تقارب القدرات العسكرية لا يمكِّن أياً منهم من حسم الوضع لصالحه لايزال يجعل القتال خياره الأول إما مبالغاً فى قدراته أومستهيناً بقدرات الآخرين!. فقد شهد الجنوب الليبى فى الأسابيع الأخيرة تصعيداً عسكرياً بين قوات الجيش الوطنى بقيادة خليفة حفتر وما يُسمى بالقوة الثالثة وحلفائها الموالين لحكومة الوفاق المعترف بها دولياً للسيطرة على أكبر قاعدة جوية ليبية «تمنهنت»وقاعدة براك الشاطيء وطرد منافسه مما دفع فايز السراج رئيس الحكومة لمطالبة المجتمع الدولى بالتدخل العاجل لوقف تدهور الأوضاع محذراً من أن هذا التصعيد يضع البلد على حافة حرب أهلية وقام أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة بتحذير مجلس الأمن من انزلاق ليبيا إلى صراع أوسع.وإذا كان السراج قد قصد تدخلاً عسكرياً فلا يبدو أن أحداً سيستجيب له لأنه لن تغامر أى دولة بإرسال قوات برية إلى نزاع قد يتحول إلى مستنقع أومقبرة لقواتها وليس الجميع مستعدين للتدخل ضد قوات حفتر التى تقوم بدور كبير فى مطاردة عناصر داعش والقاعدة وأقصى ما يمكن التدخل به هو توجيه ضربات جوية لمراكز تجمع الإرهابيين وقياداتهم أوعلى الأكثر إرسال مستشارين عسكريين لمساعدة الطرف الذى ترى أنه يحقق مصالحها كما فعلت أمريكا وفرنسا. يدور الصراع حالياً حول قاعدة تمنهنت التى تسيطر عليها القوة الثالثة وحلفاؤها من فصائل قبائل الجنوب وعناصر من المعارضة التشادية،فمَن يسيطر عليها يتحكم فى مجريات الأحداث بالمنطقة لأنها تضم مطارين عسكريا ومدنياً ومخازن ذخيرة وعتاداً حربياً وصواريخ ومجمعاً لإنتاج غاز الخردل والفوسفور والنابالم ومركزاً لصيانة طائرات الهليكوبتر وقاعدة عمليات مجهزة برادارات حديثة تراقب كل أنحاء الجنوب،وبينما أطلقت حكومة السراج ما وصفتها بعملية غضب الصحراء لمنع سقوطها فى أيدى قوات حفتر ولطردها من قاعدة براك الشاطئ الجوية والجنوب بكامله مع عناصر داعش الفارين من سرت شن حفتر ما وصفها بعملية الرمال المتحركة لطرد خصومه منها ثم الاتجاه شمالاً إلى قاعدة الجفرة التى وصفها ببؤرة الإرهاب الأساسية فى الوسط ومنها إلى طرابلس فى الشمال ثم الغرب لتطهير البلاد من الإرهابيين والمتطرفين والميليشيات بعد أن استعاد منذ أسابيع السيطرة على منطقة الهلال النفطى فى الشمال الشرقي. ولكن بسبب شبه توازن القوى العسكرية القائم فمن غير المتوقع أن يتمكن أى من الطرفين من حسم الموقف بشكل نهائى لصالحه،والأرجح أن يظل سجالاً بينهما مالم تتدخل قوة خارجية بثقلها إلى جانب أحدهما بالسلاح والقصف الجوى والمستشارين العسكريين الذين يضعون خطط السيطرة ويشرفون على تنفيذها فى ضوء ميل روسيا لحفتر الذى استقبلته فى موسكو وعلى متن سفينة حربية أمام الساحل الليبى ودعم أمريكا وأوروبا لحكومة السراج واستقبال قائد القوات الأمريكية فى إفريقيا«أفريكوم» له وتأكيده وجود قوات روسية فى صورة شركات أمن على الأراضى الليبية وإبداء العواصمالغربية قلقها لذلك.أما إذا تدخلا فى وقت واحد أوحتى متقارب كلُ إلى جانب مَن سيحقق مصالحه فستمتد المعارك إلى أجل غير مسمى وستتعقد جهود الحل السلمى أكثر ولن يصيب غضب الصحراء حفتر وحده بل وقد تطمره والسراج معاً الرمالُ المتحركة.وبينما نفى حفتر أنه تفاوض لإقامة قاعدة عسكرية روسية فى شرق ليبيا طلبت حكومة السراج دعم أفريكوم وأعلنت عن بدء تشكيل لجان عسكرية مشتركة لدعم خطط المجلس الرئاسى العسكرية والأمنية كما تمت مناقشة إمكانية الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية لبناء وتطوير قدرات المؤسسة العسكرية الليبية فى إطار سعى المجلس لتوحيدها، ولو حدث ذلك فليس من المستبعد أن يسعى حفتر علناً إلى طلب مساعدة روسيا ويوافق على إقامة قاعدة عسكرية لها مثلما حدث فى سوريا. أما الحل السلمى فمازال بعيداً، فحفتر أعلن أنه لن يتعاون إلاَّ مع حكومة منتخبة وليس مع حكومة السراج ولم يسفر لقاؤه المبعوث الدولى منتصف إبريل عن انفراج وأصرَّ على ألاَّ يمس أى حلِ الجيش الوطنى واصفاً اتفاق الصخيرات بأنه بُنيَ على إخضاع مؤسسة الجيش لتنظيمات إرهابية بنصوص منمقة تبدو فى ظاهرها أنها تحقق الوفاق، وسانده فى ذلك البرلمان الذى رفض على مدار 17 شهراً منح الثقة لحكومة الوفاق،وفى المقابل تمسك السراج بعدم إجراء أى تعديلات جوهرية على اتفاق الصخيرات مُصراً على أن قيادة الجيش العليا لا بد أن تخضع للمجلس الرئاسى أعلى هيئة سياسية، بينما وقفت الأطراف الأخرى تنتظر إلى أين ستتجه دفة الأمور؟. لمزيد من مقالات عطية عيسوى