أقيمت يوم الأحد الماضي بصالون دارالعين الثقافي ندوة لمناقشة كتاب' التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر' للدكتور عمار علي حسن في وجود عدد كبير من الحضور, وأدارت الندوة' د. فاطمة البودي' مديرة دار العين للنشر والتوزيع. افتتح الندوة الدكتور والباحث اللامع' نبيل عبدالفتاح' مشيرا إلي أن الكتاب عندما كان مجرد أطروحة صغيرة لنيل الماجستير كان ينبئ بظهور باحث لامع ومتميز في تاريخ الأبحاث السياسية والدينية معا, فالكتاب عندما كان بحثا صغيرا كان يناقش الظواهر الدينية المستحدثة في العالم العربي بشكل مغاير وغير تقليدي ومن هنا تنبع أهمية الكتاب من خلال متابعة الاتجاهات الدينية. وأشار عبد الفتاح إلي أن الكتاب يطرح موضوعا مهما ومتعدد الجوانب, فالظاهرة الصوفية توحي بمجموعة من المضمونات والطقوس والتجارب فهي, بمعناها العام والمتداول, حالة روحية جماعية تنزع إلي الانفصال عن الواقع بما يتضمنه من عمل سياسي مباشر لاقترانه باليومي والمدنس المترع بجوانب كثيرة من الحياة, فهي بالأساس تهدف إلي التطهر والارتقاء. ويضيف الدكتور نبيل أن الانتقادات العديدة التي وجهت إلي الجماعة الصوفية, وتحديدا في مصر, والتي وصلت في بعض الأحيان إلي حد التكفير, سببها الأساسي أن جماعة الإخوان المسلمين وعلي رأسهم' حسن البنا' فشل في دمج الصوفيين إلي صفه علي الرغم من أن ثمة بعدا صوفيا عنده لأن الصوفية ترمي إلي نزع السياسة عن الدين نحو التجربة الشخصية. وعلي الجانب الآخر يشير إلي أن التجربة الصوفية أعادت رسم خريطة الإسلام, فمثلا الصوفية الافريقية كانت أحد مفاتيح السياسة, فلو نظرنا في التاريخ الإسلامي الافريقي لوجدنا أن الصوفيين أثروا في التاريخ بمحاربة الاستعمار مثل' الشيخ عبد القادر' في الجزائر, والشيخ' عمر المختار' في ليبيا وغيرهما الكثير في السودان وموريتاينيا بل وحتي في مصر' عمر مكرم'. أما الدكتور محمد حافظ دياب فأكد أهمية هذا الكتاب حيث إن درس الصوفية وهو إن كان في غاية الأهمية فهو مزدحم ومكتنز علي مستوي الدراسات العربية و الأجنبية, فالدراسات العربية مثل دراسات' سيد عويس, ومحمد الجوهري' وغيرهما, كانت أقرب إلي الوصف, أما الدراسات الأجنبية فتشوبها بعض العاهات أهمها هو سعيهماوراء الغريب والشاذ ولذلك يلجأون في مثل هذه الدراسات إلي المبالغات, ولكنها علي الرغم من ذلك تلقي ذيوعا كبيرا نظرا لأنها منطقة تلاقي معرفية معقدة بالمجتمعات التي تبدو لهم فولكلورية. وأشار دياب إلي أن المواطن المصري يتجه للصوفية عندما لا يجد نفسه وهويته في المجتمع, فالصوفية بالأساس هي عملية البحث عن الذات وعلاقتها بالمحبوب' الرب' بالإضافة أيضا إلي موقف الاستبدال' العشائرية الجديدة' والمقصود به استبدال الخطاب الصوفي المريح والقريب من الروح بالخطاب السلفي المتداول والمنتشر بالمجان هذه الأيام, ولكن كل هذا مرهون بالشروط السياسية والاجتماعية والسياسية وغيرها من الظروف التي تترتب عليها تغيرات جذرية في المجتمع. وتحدث في ختام الندوة المفكر الكبيرجمال البنا الذي نوه في البداية إلي أن الصوفية هي أكبر تنظيم جماهيري في الإسلام فهي تحمل رسالة لتقدم المجتمع. وعلي عكس ما قاله' نبيل عبد الفتاح' من حرص' حسن البنا' علي ضم الصوفيين لجماعته, نفي جمال البنا ما نسب إلي أخيه الأكبر وأكد أنه لم يفكر إطلاقا في ضم الصوفيين لجماعته لأنه كان لديه جمهور آخر تماما وهم' البرجوازيون' الذين يمثلون عصب الإخوان المسلمين. ولكن هذا لا ينفي أن كل قادة الدعوة الإسلامية نشأوا نشأة صوفية وحسن البنا كان أكثرهم تأثرا فالصوفية هي المدرسة السيكولوجية في الإسلام, ولكنها لا تستوعب الفكرة الإخوانية. ويشير البنا إلي أن ظهور الحركة الصوفية أساسا كان متعلقا بنظام سياسي مستبد لكونها مؤسسة للفرار من الواقع فقد تشبث بها الفقراء وتحديدا من كانوا في حاشية الحاكم لكي يبقوا بعيدين عن الحياة, ولهذا لم تكن فعالة سياسيا باستثناء دورها في مقاومة الاستعمار فالإسلام العملي يحتاج إلي من يواجه الحياة. أما الدكتور عمار علي حسن فأشار إلي أن فكرة هذا الكتاب ترجع إلي عمله كباحث في الحركات الإسلامية فور انتهاء التجنيد وبعدها اتجه للتفكير في عمل رسالة الماجستير عن الطرق الصوفية وفي هذا الوقت فقد كان مغرما بدرس الاستبداد المصري, مما أدي إلي طرح سؤال' هل يمكن أن تكون الصوفية هي أحد روافد الاستبداد المصري ؟'. وأكد اختلاف الصوفية المصرية فهي في الأساس صنعت لمحاربة المذهب الشيعي وإلي اليوم فهي تعيش في ركاب السلطة وعلي هذا الأساس فهي ربما تكون جزءا من الاستبداد بالإضافة لكونها أحد تجليات الدين في التحول إلي فولكلور, ولكننا لا يمكن أن نتهمها بأنها كانت بذرة للاستبداد المصري لأنهم حاربوا الاستعمار في إفريقيا وهذا يحسب لهم.