تجديد اعتماد "صيدلة المنصورة" من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    وزير الكهرباء: تركيب مصيدة قلب المفاعل للوحدة النووية الثالثة بالضبعة خلال أكتوبر    ترحيب واسع بدعم الرئيس السيسي لتوصيات الحوار الوطني.. تعزيز لحقوق الإنسان والإصلاح القانوني في مصر    كيف استعانت مدرسة ابدأ للعلوم التقنية بشركة تأهيل لتنمية مهارات التميز للطلاب؟    وصول الدعم لمستحقيه بقاعدة بيانات توحد الجهود التطوعية أبرز مميزات التحالف الوطنى    وثيقة سياسة ملكية الدولة.. مدبولي: هدفنا تعظيم الأصول والعروض غير المناسبة لا نقبلها    إزالة 5 حالات بناء مخالف بقنا    مكتب الصحافة الإسرائيلي ينشر إحصائية بالأضرار التي خلفتها صواريخ "حزب الله"    بلينكن: يجب التنسيق والعمل لردع الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها إيران    وزير الرياضة يلتقي فرانشيسكو توتي في العاصمة الإدارية الجديدة    قضية التيك توكر وخطأ المواقع    كواليس تصوير محمد عبد الرحمن حماقي ل "روج أسود" (صور)    كلامها حلو.. هشام عباس يكشف تفاصيل ألبومه الجديد وموعد طرحه    خالد الجندى: عمليات التجميل والتحول الجنسى فعل شيطانى للحرب على بنيان الله    انطلاق دورة التعامل اللائق مع رواد المسجد لعمال المساجد    علي جمعة يكشف عن مبشرات ميلاد النبي: رضاعته وفرح أبولهب بمولده    خطوة صحيحة ومفيدة للمريض.. نقابة الصيادلة تعلق على مقترح مدبولي بكتابة الروشتة    حملة «100 يوم صحة» تقدم أكثر من 87 مليونا و915 ألف خدمة مجانية    بلينكن يؤكد أهمية احتواء التصعيد بين إسرائيل وحزب الله اللبناني    «القاهرة الإخبارية»: إسرائيل تعمل على عزل بلدات وقرى الجنوب اللبناني    وليد فواز يكشف سبب خوفه من دوره في مسلسل «برغم القانون».. قللت وزني    موعد بدء العام الدراسي الجديد للجامعات 2024-2025.. والخريطة الزمنية للعام المقبل    كنوز| 54 عاما على غياب زعيم في ذاكرة المصريين    لاستيفاء نسبة ذوي الهمم.."العمل" تنظم ندوة بمنشآت القطاع الخاص بسوهاج    وزير التموين يجتمع مع رئيس البريد وممثلي شركة فيزا العالمية لبحث أوجه التعاون المشترك    الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الخميس 26 سبتمبر 2024    ما حكم قراءة سورة "يس" بنيَّة قضاء الحاجات وتيسير الأمور؟    محافظ الدقهلية ييستلم دفعة من المواد الغذائية لتوزيعها على الأولى بالرعاية    بوليتيكو: الهجوم على حزب الله سبب خلافا كبيرا بين الولايات المتحدة وإسرائيل    وزارة العمل: ختام مشروع إدماج النوع الإجتماعي في العمل بالسويس    محافظ أسوان ونائب وزير الإسكان يتفقدان خزان أبو الريش العلوي بسعة 4 آلاف مكعب من محطة جبل شيشة    شغل ومكافآت وفلوس كتير.. 4 أبراج فلكية محظوظة في بداية أكتوبر    أحمد سعد وإليسا ورامي صبري وبهاء سلطان.. رباعية تاريخية في أرينا بالكويت    الأهلي يحفز اللاعبين قبل السوبر الأفريقي    أيتن عامر عن أزمتها مع طليقها : «الصمت أبلغ رد» (فيديو)    13 مليون جنيه إجمالي إيرادات فيلم عاشق بدور العرض السينمائي    بمشاركة أكثر من 40 دار نشر.. افتتاح النسخة الأولى من معرض نقابة الصحفيين للكتاب    تنظيف وتعقيم مسجد وضريح السيد البدوي استعدادًا للمولد (صور)    مدرب السد القطري: مباراة الغرافة ستكون صعبة للغاية    ميكالي يستقر على إقامة معسكر لمنتخب 2005 في التوقف الدولي المقبل (خاص)    وزير النقل اللبناني: لا توجد مشكلات لوجيستية بمطار بيروت.. وملتزمون بقوانين الطيران العالمية    النائب محمد الرشيدي: جرائم الاحتلال الإسرائيلي في لبنان تشعل فتيل الصراع بالمنطقة    رئيس هيئة الدواء: سحب كافة الأدوية منتهية الصلاحية وليس نسبة منها    إجراء 267 ألف تدخل طبي في مستشفيات التأمين الصحي الشامل    بالصور- تطعيم 63.6% من تلاميذ مدارس الوادي الجديد ضد السحائي    «صحة المنوفية»: إدارة المتوطنة قدمت خدماتها ل20 ألفا و417 مواطنًا في مجالات الفحص والمكافحة    عملت وشم فشلت في إزالته هل صلاتي باطلة؟.. رد حاسم من داعية (فيديو)    تتخطى مليار دولار.. شركة تابعة للسويدي إليكتريك تشارك في إنشاء محطة توليد كهرباء بالسعودية    الصين تطلق صاروخًا باليستيًا عابرا للقارات يحمل رأسا حربيا وهميا    ليفربول يواجه وست هام يونايتد في كأس كاراباو    إمام عاشور يكشف مفاتيح الفوز على الزمالك ودور اللاعبين الكبار في تألقه    ضبط 200 ألف علبة سجائر بقصد حجبها عن التداول بالغربية    عقب تداول «فيديو».. سقوط لصوص أغطية بالوعات الصرف بالمنصورة    وزير التعليم العالي يشهد حفل استقبال الدفعات الجديدة    القبض على عنصرين إحراميين يديران ورشة لتصنيع الأسلحة النارية بالقليوبية    إصابة 7 أشخاص فى مشاجرة بين عائلتين بقنا    تشكيل ليفربول المتوقع.. 7 تغييرات.. وموقف صلاح أمام وست هام    تشيلسي يكتسح بارو بخماسية نظيفة ويتأهل لثمن نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المغالطات المؤسِسة لخطاب تطوير التعليم

على مدى سنوات طويلة تراكم لدينا ما يمكن تسميته بخطاب تطوير التعليم. لكن المفارقة أن هذا الخطاب نفسه أصبح ينطوى على عدة مغالطات. راجت هذه المغالطات فى الآونة الأخيرة عبر تصريحات بعض المسئولين فبدت مثل إلقاء الكلام على عواهنه. وهو أمر لا يليق بخطاب يُفترض أنه يؤسس لتطوير نظامٍ تعليمى يمثل المدخل الصحيح والوحيد للحاق بحركة العصر الذى نعيشه لكننا نقبع فى هوامشه.
أولى المغالطات المتداولة أن مجانية التعليم فى عهد عبد الناصرهى السبب فيما آل إليه واقع التعليم اليوم من تراجع وتدهور.مقولة مجانية التعليم ذاتها تحتاج ابتداء إلى المراجعة والتصويب. فالزعم بأن التعليم فى مصر اليوم هو تعليمٌ مجانى أمرٌ يخالف الواقع ليس فقط بسبب ما يدفعه المصريون لأبنائهم مقابل الدروس الخصوصية التى (يتعاطاها) كل الطلاب تقريباً بمن فيهم المتفوقون، وليس فقط بسبب ما يدفعه الطلاب من مقابل مادى لشراء الكتب الخارجية الخاصة وما يُعرف بالمذكرات والملخصات بديلاً عن كتب مدرسية حكومية تتجاوز كلفتها سنوياً المليار جنيه مصرى تذهب سُدى.. ولكن أيضاً لأن التعليم غير الحكومى آخذ فى التمدد والانتشار تحت تسميات ولافتات شتى من تعليم خاص وأجنبى ودولي. وهو تعليمٌ بمقابل مالى يصل أحياناً إلى أرقام هائلة. والأخطر أن هذا التعليم الخاص لم يعد يستقبل أبناء الطبقات الثرية فقط بل أصبح بسبب تدنى مستوى التعليم الحكومى مقصداً لأبناء الأسر المتوسطة والمتواضعة التى تقتطع من لحم الحى كما يُقال لكى تدفع سنوياً حفنة آلاف من الجنيهات مقابل تعليم أبنائها. هل يعلم الذين يُصرون على أن التعليم اليوم مجانى أن التعليم قبل الابتدائى (الخاص) فى رياض الأطفال يمثل 32% من التعليم الحكومي؟ وأن نسبة التعليم الثانونى العام (الخاص والأزهري) تمثل 37% من نسبة التعليم الثانوى العام الحكومي؟ (الأرقام مأخوذة عن الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء) هل يعلم هؤلاء أنه بحسب دراسة للدكتورة مُحيا زيتون إحدى أبرز خبيرات اقتصاديات التعليم فى مصر والعالم العربى فإن 47% من طلاب التعليم العالى يتحملون فى واقع الأمر نفقات تعليمهم؟ هذا يعنى أن تعليمنا اليوم على ما به من تدهور لم يعد فى واقع الأمر تعليماً مجانياً فيما كان التعليم فى الحقبة الناصرية أفضل حالاً بكثير مع أنه كان تعليماً مجانياً بحق. ففى هذه الحقبة لم تُعرف على الأقل ظاهرة الدروس الخصوصية كتعليم مواز وبديل بكل معنى الكلمة. وقد رحل عبدالناصر فى وقت كانت مدارس مصر تعرف الأنشطة المدرسية، وكان للتعليم قيمه المعرفية والوطنية لا التجارية والمبتذلة، ولم يكن الفساد التعليمى قد أنتج جماعات للمصالح تجهض أى مشروع للإصلاح بل وتعبث بحياة التلاميذ وصحتهم كما فى حوادث التسمم الحاصلة هذه الأيام. وفى زمن عبدالناصر لم يكن هناك وزراء للتربية والتعليم يخطئون هجائياً ويعجزون عن الكتابة والتعبير. حسناً سيقول البعض إن وزيراً للتعليم مثل حلمى مراد وغيره كانوا نتاجاً للحقبة الليبرالية السابقة على ثورة يوليو 1952، وهذا بالفعل صحيحٌ تاريخياً. لكن الصحيح أيضاً أن عبد الناصر يوم أن رحل كان تعليمنا بخير (اقرأوا ما قاله الراحل أحمد زويل)، ولم تكن المقررات الدراسية تُشرح فى مراكز الدروس الخصوصية على إيقاعات الطبلة و«الصاجات» ورقصات التنورة كما نرى اليوم. لم يكن هناك طلاب يحصلون على 99.9% فى الثانوية العامة فيما يثير سخرية العالم من حولنا. ولم يكن هناك طلاب جامعات ينجحون بالحصول على درجتين نعم درجتين فقط من عشرين، وآخرون يحصلون على 23 نعم 23 درجة من عشرين فى جامعة كان رئيسها يوماً طه حسين.
المغالطة الثانية وردت على لسان وزير التربية والتعليم نفسه حين قال مؤخراً إن التعليم سلعة. إذا كانت لغته لم تسعفه باختيار اللفظ الأدق للتعبير عن العلاقة بين الخدمة التعليمية والإنفاق المادى فهذه مصيبة، أما إذا كان يقصد حقاً ما قاله فالمصيبة أعظم. خطيرٌ يا ناس ألا ندرك معنى ومغزى دور الدولة فى أداء إحدى وظائفها الأساسية كالتعليم مثل الدفاع والأمن فى مجتمع لم يستكمل بعد مقوّمات تقدمه المعرفى والثقافى والتى بسبب ضعفها ظهر التطرف والإرهاب وتدنت معايير الجودة والإتقان فى كل المهن تقريباً. والأخطر فى مقولة إن التعليم سلعة أنها تعنى أن كل ما نص عليه الدستور الحالى من التزام الدولة بإتاحة التعليم الجيد لجميع أبنائها وكفالة مبدأ تكافؤ الفرص أصبح لغواً بلا معنى. والأغرب فى المقولة أن تصدر عن المسئول الأول عن التعليم فى الدولة ولم تصدر مثلاً عن خبير تعليمى يُعبّرعن وجهة نظره فقط.
كان بوسعنا القول مثلاً إن التعليم خدمة تتطلب جودتها قدراً من الإنفاق لكن مقولة «التعليم سلعة» لا تعنى سوى تسليع الخدمة التعليمية وتوافرها فقط للقادرين على دفع تكلفتها مثل أى سلعة أخرى فى السوق. أمرٌ خطير أن يصبح التعليم لدى البعض «سوقا». كان أجدى بدلاً من طرح خطاب «تسليع» التعليم الانشغال بقضية «التعليم وسوق العمل». فهذه هى القضية الأهم فى نظامنا التعليمى فيما توجبه من إحداث ثورة حقيقية فى التعليم الفنى جنباً إلى جنب مع تطوير كل عناصر منظومة التعليم الجامعي.
المغالطة الثالثة ترتبط بما سبقها وهى مغالطة رائجة تختزل مشكلة تطوير التعليم فى مصر فى نقص الموارد والإمكانات المادية. وابتداء فإن زيادة الإنفاق على التعليم أمرٌ لا يُتصوّر الخلاف عليه. لكن هناك العديد من أوجه الخلل التى يمكن معالجتها دون أن يتوقف الأمر بالضرورة على توافر موارد وإمكانات هائلة. فهل تحديث مضامين المناهج التعليمية وهى أحد مظاهر الأزمة يحتاج إلى موارد مالية تتجاوز قدرات الدولة؟ التساؤل ضرورى لأننا نتحدث منذ عقود عن تحديث المناهج والمقررات التعليمية وما زال الإنجاز أقل من المطلوب بكثير. وهل تحتاج عملية تطوير نظم الامتحانات والتقويم إلى أموال تعجز عنها الموازنة العامة؟ التساؤل ملحٌ لأن نظم الامتحانات التقليدية (العصروسطية) التى تقيس القدرة على الحفظ هى أحد أسباب انتشار ظاهرة تسريب أسئلة الامتحانات فضلاً عن مساوئها الأخرى.
هل تطوير النظام الحالى للقبول فى الجامعات والذى يحول دون ربط التعليم بسوق العمل من ناحية ويحول أيضاً دون حسن توظيف قدرات الطلاب ومواهبهم فى التخصصات المناسبة لهم يتطلب مليارات تنوء بها إمكانات الدولة؟ غير صحيح بالطبع. فقد نجحت دولة مثل «جورجيا» فى تطوير نظام القبول فى جامعاتها بديلاً عن هذا الُمسمّى بمكتب التنسيق فى تجربةتستحق الدراسة. باختصار ثمة إصلاحات تعليمية عميقة وممكنةلا تتطلب إنفاقاً كبيراً بل إرادة إصلاحية. مثل هذه المغالطات وغيرها تعقّد خطاب تطوير التعليم.
لمزيد من مقالات د. سليمان عبد المنعم;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.