هناك نوعان من التوحيد.. توحيد سماوى مطلق التنزيه أكدته الأديان السماوية، وتوحيد وضعى نادى به إخناتون يخلو من التنزيه المطلق ويغلب عليه الشرك والتجسيم. وإذا كان إخناتون من أوائل من نادوا بالتوحيد، ودعوا إلى الإيمان بقوة علوية واحدة هى إله الشمس آتون، وأول من دعا إلى الأخوة العالمية مجردة من علاقة العصبية القومية والفروق الجنسية بين الشعوب، إلا أن ما قدمه باليد اليمنى أفسده بيسراه إذ رفع نفسه إلى مرتبة الآلهة، وأصبح يعبد فى جهات مختلفة، ونصبت الكهنة لإقامة عبادته، كما ظلت صورة الإله فى ذهنه مرتبطة بعبادة الشمس فى صورتها المرئية، ومن ثم فإذا كان إخناتون قد أحاط علما بقدرة الله وصفاته، فإن التوحيد عنده لم يكن صافيا صفاء مطلقا، بل شابه التمثيل وأصابه التجسيم. ومن ألوان الشرك التى انطوت عليها دعوته إلى التوحيد الاعتقاد بأن للإله أبناء أو بنات يعبدون من دونه أو معه ومصداق ذلك الأناشيد التى يشرح فيها إخناتون الاله الجديد وصفاته مؤكدا فيها أن الملك الفرعون ابن الإله: «إنك يا إلهى فى قلبى، ليس ثمة شخص آخر يعرفك إلا ابنك إخناتون، لقد جعلت منه حكيما بقضائك وقوتك»، ويضاف إلى ذلك إصرار إخناتون على مطابقة ذاته بالإله الواحد آتون، وتمجيد نفسه بنفسه باعتباره إلها، وأصبح آتون الإله فى النهاية مجرد ملك سماوى متطابق معه كملك أرضى وله نفس ألقاب نظيره الأرضى هذا (إخناتون). من هنا كانت عناية الأديان السماوية الدعوة إلى توحيد الله تعالى علما وعملا ومقاومة الشرك اعتقادا وسلوكا «وإلهكم إله واحد، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم» (البقرة: 163). وفى ذلك يقول المستشرق (جيب) فى كتابه: (بنية الفكر الدينى فى الإسلام): «إن الأفق الدينى العربى ارتقى دفعة واحدة إلى ما فوق الأشياء المرئية جميعا، الأشياء الأرضية أو الشخصية، ووصل إلى كائن لا مرئي متعال قادر على كل شىء». فالله تعالى: «ليس كمثله شىء وهو السميع البصير»، (الشورى11) من هنا فإنه لا يصح أن نقول إن موسى عليه السلام كان يؤمن بعقيدة التوحيد التى نادى بها إخناتون. د.صلاح بسيونى رسلان أستاذ الفلسفة كلية الآداب جامعة القاهرة