لا فرق بين أن تقتل صحفيا أو تدفعه للانتحار خنقا باعتزال الكتابة، وإذا كان الكاتب المجبر على الاعتزال فى حجم وقيمة وعطاء محمد العزبى فإن الجريمة مضاعفة لأنها لا تخص الكاتب وحده ولكنها جريمة فى حق آلاف القراء من مريديه عشاق الكلمة الصريحة والرأى الوطنى الحر، فقد تأكدت من صحة قرار الاعتزال الذى اتخذه الأستاذ محمد العزبى الكاتب الصحفى بالجمهورية بعد 66سنة كتابة، لكن غير السليم هى الأسئلة والتفسيرات والرسائل التى خلفها، ورغم حواره المهم وإجاباته الصريحة مع الشروق إلا أنه لم يشف غليلى، مما دفعنى للاتصال بالأستاذ العزبى بعد منتصف الليل، فالعزبى من فرسان الكتابة النظيفة العاقلة، بدأ حياته مع بداية ثورة يوليو ترك دراسة الطب والوظيفة المرموقة والصيدلية المحجوزة والراتب المضمون، ورضى أن يعمل صحفيا تحت التمرين بمجلة آخر ساعة مع محمد حسنين هيكل، حين كانت الصحافة اختيارا وتحديا وليست مجرد أكل عيش، انضم إلى مجلة التحرير ثم جريدة الجمهورية وارتبطت حياته بهذه المؤسسة الوطنية العريقة منذ رأسها أنور السادات عام 1953حتى تولاها رئيس مجلس الإدارة الحالى الأستاذ جلاء جاب الله، ورغم التكريم الرسمى بحصول العزبى على وسام العلوم والفنون، والتقدير المهنى بحصوله على جائزة أحسن كاتب عمود من نقابة الصحفيين، يبقى أهم تكريم له هو الذى يأتيه يوميا من القراء لما يتمتع به من مصداقية وأمانة وانحياز للوطن والمواطن، سألته: هل هذا الانصراف احتجاجى أم أنت (مسافرعلى كف عفريت؟) كما يقول عنوان كتابك الأشهر. بسبب عدم تجديد عقدك؟، قال: بل على «كف عفريت»، والله العقد مكتوب وجاهز للتوقيع وقد أرسله رئيس مجلس الإدارة ومازال يلح بكل مودة على أن أوقعه، لكنى أعتزل الكتابة بعد أن صارت قدرتى على القراءة شاقة، فلكى أكتب مقال لابد أن أقرأ الكتب والجرائد ذات الصلة، ثم إنه مايصلح للكتابة واحد من عشرة مما أقرأه، فقد ضاقت خروم الغربال بحكم السن، وأصبحت فى حاجة إلى تكبير ما أقرأ بسبب النظر، ثم إننى قررت الاعتزال الصحى القسرى وليس الانصراف الاختيارى الاحتجاجى على طريقة الأستاذ هيكل، قلت وما الفرق؟ قال العزبى: هيكل كان مدرسة فى الكرامة والاعتزاز بالنفس وقد انصرف محتجا على (إجراءات تمت) وحتى يظل رقم واحد، وعندما تغيرت الظروف عاد عن الانصراف استجابة للحاجة الوطنية بعد ثورة 25 يناير.قلت: وهل ستقدر على عبء الابتعاد عن الكتابة؟ قال الابتعاد عن الكتابة قتل ولكن الكتابة لمجرد الوجود انتحار، فلابد أن أكون غير راض عما أكتبه، والأحسن أن يسأل الناس ماذا يكتب العزبى بدلا من أن يسألوا لماذا يكتب، والله يحسن ختام الجميع، قلت رغم احتجاجى على ابتعادك لكن ما هى روشتة الكتابة المحترمة؟ فقال: مصلحة القارئ هى الحاكم ، والاقتراب من السلطة أكثر من اللازم يربك عقل الكاتب، قلت: والوصية التى تريد أن توصلها ؟ قال: الاستغناء أول دروس موسى صبرى، فقد كان رئيسا لتحرير الجمهورية وأبلغني باختيارى للسفر للكويت لتغطية احتفالات العيد الوطنى، وأوصانى ألا أقبل مالا وألا أسمع كلامهم بأن هدية الأمير لاترد، والدرس الثانى قاله وهو على فراش المرض الأخير لصديقه أحمد عباس صالح: هل تعرف أننا قد خدعنا جميعا وأن المتصارعين على السلطة قد استخدمونا لمصالحهم أسوأ استخدام! قلت للعزبى: بصراحة يا أستاذ هذه ليست أول مرة تعتزل الكتابة ربما ثالث مرة خلال السنوات الأخيرة مرة أيام محفوظ الأنصارى ومرة عام 2013.. هل الاعتذار المتكرر يعكس حالة قلق؟ فرد: لكن هذه أول مرة أمشى وليس عندى مشكلات مع أحد. فقد كنت أكتب بالشروط الموضوعية للحرية المسئولة، فكم من الجرائم تضع الحرية وحياة الصحفي على كف عفريت، ومازلت أعتز بمقال كتبته عام 2015 بعد حادث الاعتداء الإرهابى على صحيفة شارل إبدو، فعلى باب هذه الصحيفة التى يقع مقرها بالقرب من سجن الباستيل الشهير، وقف رئيس تحريرها فى مطلع العام الجديد يتحدى العالم أنه لن تقع عمليات إرهابية بعد اليوم، وعلى الإرهاب أن يحمل عصاه ويرحل من بلادنا، فيرد عليه الإرهابى : لايزال أمامنا وقت حتى نهاية يناير لنهنئكم بالعام الجديد، وخرجت الصحيفة كعادتها برسم كاريكاتورى يسخر من الرسول الكريم ويضع الأنبياء والرسل فى نفس خانة الزرقاوى والدواعش، باسم حرية الإبداع، فكان ماكان.. ولم يمر يناير حتى تم العمل الارهابى على الصحيفة فى الحادية عشرة صباح السابع من يناير ومات جراء العملية رئيس التحرير والرسام وعشرون آخرون، بينهم اثنان من المسلمين مصحح اللغة والحارس بسبب عدم التفريق بين حرية الرأى المسئولة حتى ولو قادت صاحبها إلى الباستيل والحرية المنفلتة التى تقود إلى تجار جهنم وبئس المصير! فى الموضوع: بعد الحكم بحل اتحاد الكرة، واستمرار تضييق الخناق عالميا على فساد عيسى حياتو والذين كانوا معه وساندوه، لماذا لا تقف مصر بقوة لترشيح حسن حمدى لرئاسة الاتحاد الإفريقى، فهو رجل إفريقيا القوى بالإنجازات وبالتاريخ وبال«سى. فى» وب«جوجل»، والذى يسافر أخيرا لحضور حفل تكريمه فى الاتحاد الإفريقى، بصفته صاحب أكبر إنجازات الأهلى وحصوله على لقب أعظم ناد فى القارة السمراء! لمزيد من مقالات أنور عبد اللطيف;