من المتوقع أن يبدأ الرئيس السيسى زيارته الاولى للعاصمة الامريكيةواشنطن خلال الفترة القصيرة المقبلة. وأبدأ بطرح أفكارى عن هذه الزيارة المهمة بملاحظتين شخصيتين. الاولى تتعلق بمشاهدتى للصحفى الامريكى الشهير «ديفيد إيجنشيوس» يتحدث فى إحدى القنوات التليفزيونية عن أداء ترامب فى شهره الاول للحكم، و كان أهم ما ذكره هو أن سياسته الخارجية لاتزال فى طور التكوين والتشكيل. وأن ترامب كتب الفقرة الاولى من هذه السياسة أثناء الحملة الانتخابية، وهو الآن يكتب «الفقرة الثانية»، وأن حواراته مع قادة العالم تسهم فى كتابة هذه الفقرة، ودلل على ذلك بالتطور فى مواقفه بشأن قضية المستوطنات الاسرائيلية ومطالبته نيتانياهو بوقفها بعد الحوار مع بعض القادة العرب. الملاحظة الثانية هى أننى التقيت فى القاهرة منذ أيام بأحد الخبراء اليابانيين المهتمين بقضايا الشرق الاوسط، ولكنه أيضا على اطلاع بتفاصيل زيارة رئيس الوزراء اليابانى «آبى» الاخيرة للولايات المتحدة ولقائه ترامب ، فسألته عن الانطباع اليابانى عن ترامب من واقع اللقاء الثنائى. فذكر أن ترامب بدا حريصا على تطوير العلاقه بحلفاء وأصدقاء الولاياتالمتحدة. ولكنه ينظر لتلك العلاقة على أنها «تبادلية» أى «خذ وهات»، وأنه شخصية عملية، لا يستسيغ الافكار النظرية ولكنه يميل للأفكار المحددة حول مايمكن أن يسهم به الاصدقاء و الحلفاء فى الشراكة مع الولاياتالمتحدة. من واقع هاتين الملاحظتين، أطرح الأفكار التالية: 1 هناك فرصة كبيرة لأن يقوم الرئيس السيسى بالمساهمة فى تشكيل وبلورة أفكار ترامب بشأن العديد من قضايا المنطقة. ونقطة البداية هنا تكون بالحديث عن التوافق حول بعض ملامح الصورة الكبيرة، وأهمها أن الشرق الاوسط فى حالة فوضى عارمة، و أولوية الحرب على الإرهاب، وهى عبارات كثيرا مارددها ترامب. ثم الانطلاق لعرض رؤية للتعامل مع هذه التحديات، مثل ضرورة تبنى استراتيجية متكاملة لمكافحة الارهاب وعدم الاقتصار على القوة العسكرية فقط، وطرح المبادئ المصرية للتعامل مع أزمات المنطقة وأهمها الحل السلمى، واستعادة مؤسسات الدولة، والحفاظ على وحدة الاراضى، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وأهمية تفعيل عملية السلام الفلسطينى - الاسرائيلى باعتبارها ركيزة للاستقرار. 2 انطلاقا من الصورة الكبيرة السابقة، يمكن تقديم مقترحات محددة عن الدور المصرى فى تحقيقها، بدءا من التركيز على مكافحة الإرهاب بجبهتى سيناء وليبيا، والمساهمة فيما يسمى بالحرب الفكرية أو الحرب لكسب العقول والقلوب من خلال إصلاح الخطاب الدينى، وكذلك الدور المصرى فى إحياء عملية السلام، والمساهمة فى تسوية النزاعات العربية فى سوريا واليمن والعراق. 3 زيارة واشنطن ستمثل أيضا فرصة لطرح رؤية جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين. والرئيس السيسى تحدث عن أنه غير ملزم بالأدبيات السابقة للعلاقة، ويتوافق ذلك مع الحديث الدائر فى واشنطن منذ سنوات عن ضرورة مراجعة الأسس التى قامت عليها هذه العلاقة. ومن ثم علينا طرح أفكار جديدة وغير تقليدية لتطوير التعاون الثنائى بين البلدين، ويجب ألا يقتصر الأمر على مجرد المطالبة بزيادة المعونة العسكرية وعودة مايسمى بالتدفق النقدى، أو المطالبة بزيادة مناطق اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز)، بل علينا رفع سقف الطموح، وطرح فكرة إقامة منطقة للتجارة الحرة بين البلدين كما حدث بين الولاياتالمتحدة والأردن، وكذلك المغرب. وقد يرى البعض أن الادارة الجديدة معادية لمثل هذه الاتفاقيات، ولكن حقيقة الامر أن ترامب يرفض اتفاقيات التجارة الحرة الجماعية أى التى تضم عدة دول، ولكنه لم يعارض الاتفاقيات الثنائية بين الولاياتالمتحدة ودولة واحدة فقط. هناك أيضا مساحة كبيرة لزيادة الاستثمارات الامريكية فى مصر بعد تبنى إجراءات الإصلاح الاقتصادى الأخيرة، و زيادة التعاون فى مجالات التعليم والبحث العلمى والتنمية البشرية بشكل عام. وقد يكون من المفيد فى الإطار الثنائى أيضا الاتفاق على تغيير تسمية و مضمون مايعرف بالحوار الاستراتيجى بين البلدين الى الحوار الاستراتيجى و الاقتصادى، كما فعلت الهند، وضمان استمرارية و اتساع نطاق هذا الحوار. 4 من المهم أيضا الاستفادة من زيارة الرئيس لواشنطن فى طرح رسالة حول الاسلام، فجانب من دوائر الحكم فى العاصمة الامريكية وداخل البيت الابيض أصبح يربط بين الإرهاب والإسلام، ويرى أن الولاياتالمتحدة يجب أن تتعامل مع الإرهاب كظاهرة دينية بالأساس. الخطاب المصرى يجب أن يركز على خطورة تصوير الحرب على الإرهاب على أنها حرب أمريكية ضد الإسلام، وأن معركة الافكار يجب أن تركز على أفكار التطرف والتشدد وليس على عموم الفكر الإسلامى. ومن المهم أن يتضمن خطاب الرئيس السيسى فى واشنطن توضيحا للفكر الإسلامى المعتدل الذى يؤمن به غالبية المسلمين، و يرفض العنف ويقبل بالتنوع والتعددية، ودور مصر فى بلورةهذا الفكر. مثل هذا الخطاب سوف يكسب تأييد ملايين المسلمين المقيمين فى الولاياتالمتحدة الذين يضيع صوتهم وسط الصخب العالى المعادى للاسلام، وسيكون محل تقدير التيارات الليبرالية الامريكية التى تتبنى مواقف أكثر اعتدالا فى قضايا الارهاب و المسلمين. 5 وأخيرا فإن نجاح زيارة واشنطن يرتبط بعدد من الأمور فى القاهرة، أهمها الادارة الاعلامية الرشيدة للزيارة التى تقوم على الموضوعية، ومنطق المصالح المشتركة بين البلدين وليس أحاديث المبالغة أو المؤامرة. والأمر الثانى هو إنشاء الآليات القادرة على توليد الأفكار والمبادرات لضمان تطور العلاقات الثنائية باعتبارها أمرا ممتدا وليس مرتبطا فقط بزيارة الرئيس لواشنطن. هناك فرصة لبداية جديدة فى العلاقات المصرية الأمريكية، ولكن هذه البداية تحتاج أفكارا وآليات جديدة، تتماشى مع الواقع الجديد فى القاهرةوواشنطن. لمزيد من مقالات محمد كمال;