تتجه جهود المراكز العلمية، ممثلة فى الخبراء والمتخصصين والجهات التنفيذية، إلى وضع أطر لخطط زيادة الموارد المائية فى مصر، لمواجهة الاحتياج المتزايد لاستخدامات المياه، خاصة فى ظل التغيرات المناخية، والزيادة السكانية. ومن هنا شهدت أكاديمية البحث العلمى حلقة عمل لمجلس بحوث المياه والري، لوضع ملامح «خارطة طريق» لمستقبل تحلية المياه فى مصر، بهدف بحث كيفية مواجهة تلك المشكلة، من خلال وضع خطة تشمل آليات توظيف تحلية المياه كمورد مائى استراتيجى مستدام، فى الاستخدامات المائية، من خلال منظومة تراعى المعايير البيئية. وفى البداية، يوضح الدكتور أحمد معوض، نائب رئيس الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي، أن الهدف من خارطة الطريق، التى نحن بصددها، هو استكمال وتقييم خارطة 2011 بغرض إزالة المعوقات للتوسع فى إنشاء محطات تحلية المياه. ويضيف: ندرس الآن «قانون المياه»، الذى يتضمن إصدار تصاريح إنشاء محطات تحلية المياه، وأماكن إنشائها، ووفرة الطاقة اللازمة لتشغيلها، علاوة على دراسة إنشاء مصانع ملحية بجوار محطات التحلية لحل المشكلة البيئية للمياه الراجعة، وتوفير المحطات المتنقلة للمناطق النائية. خطوات الخارطة وعن تطبيق أهداف الخارطة على أرض الواقع، يؤكد الدكتور أحمد على يوسف رئيس مركز بحوث الصحراء السابق، أن تحلية المياه فى مصر هى أحد الحلول لمواجهة نقص المياه، وأن مصر لديها سواحل تمثل 3500 كيلو متر على البحرين الأحمر والمتوسط وخليج السويس مما يتيح لنا فرص الاستفادة منها، لذلك فإن الهدف الأساسى للخارطة هو إيجاد الحلول لسد العجز المائى من خلال ثلاث نقاط لتحقيق نجاح تقنيات تحلية المياه. ويشير إلى أن هذه النقاط هى إنشاء مشروعات قومية على مستوى الدولة، وكذلك مشروعات على مستوى مراكز الأبحاث والجامعات مثل مركز التميز لتحلية المياه بمركز بحوث الصحراء، وأيضا تشجيع الأبحاث الفردية، خاصة بعد ازدياد الاحتياج للتحلية، ليس فقط لمياه البحر، بل لمواجهة تملح المياه الجوفية، الذى وصل إلى أكثر من ألفى جزء فى المليون، بمناطق الدلتا وسيناء والصحراء الغربية، نتيجة لاستنزاف المياه الجوفية والحفر العشوائى للآبار، حتى تحولت المياه إلى بسوس. (نسبة الملوحة أكثر من عشرة آلاف جزء فى المليون). كود للتحلية وللتخلص الآمن من الأملاح الناتجة عن عملية تحلية المياه، تشير الدكتورة شادن توفيق، الرئيس السابق للمركز القومى لبحوث المياه، إلى أن المحاور الأساسية لخارطة الطريق هى عملية تقويم للوضع الراهن بالنسبة للموارد المائية، وكيفية سد العجز باستخدام تقنية تحلية المياه. وتضيف شادن أن التحدى الكبير أمامنا هو تعميق تلك الصناعة فى مصر، التى يسهم فى تمويلها صندوق العلوم والتكنولوجيا، الذى وضع تمويل دراسات عديدة لتحلية المياه من أجل التصنيع المحلى مثل إسهامه فى تمويل مركز التميز للتركيز على صناعة الأغشية المستخدمة فى تلك التقنيات. وتضيف الدكتورة شادن أن من أهداف الخارطة أيضا التركيز على تقويم الأثر البيئى لمحطات التحلية، وتطبيق كود للتحلية، والاهتمام بطرق التخلص الآمن للأملاح. الأثر البيئي ومن جهته، يشدد الدكتور بدر مبروك، رئيس مركز الحد من المخاطر البيئية بجامعة الزقازيق، على أنه لابد من دراسات التأثيرات البيئية لمحطات تحلية المياه، وكذلك ضرورة إتباع المعايير البيئية عند اختيار المنطقة التى ستقام عليها محطة التحلية، ودراسة نوعية المياه، وتوفير الحماية للشعاب المرجانية، علاوة على دراسة مدى عودة المياه بعد التحلية (المياه الراجع). ويوضح أنه بالنسبة للمياه الجوفية فلا بد من ضرورة اختيار البئر، وتحديد تصميمها، وعمقها، والمسافات بين الآبار، فنجد الخزان الجوفى بالصحراء الغربية يواجه العديد من المشكلات البيئية (منطقة شمال المهرة)، حيث ملوحة المياه أكثر من أربعة آلاف جزء فى المليون والأمر هكذا يؤكد أنه لا بد من تحقيق العوامل البيئية والتغيرات التى قد تطرأ على المسار الطبيعى لمياه البحر، فضلا عن الدراسة البيئية البحرية والبرية والخصائص الطوبوغرافية للأرض والتربة بجانب توافر البيانات الجيوكهربية والهيدرولوجية. ولتوضيح المقصود بتحلية المياه المشار اليها فى خارطة الطريق يوضح الدكتور حسام شوقى رئيس مركز التنمية لتحلية المياه، أن التحلية هى نزع الأملاح الموجودة فى المياه لتصل إلى أقل من ألف وخمسمائة جزء فى المليون حتى تكون صالحة للشرب، مضيفا أنها تختلف عن عملية المعالجة التى تقوم على التخلص من الملوثات. ويتابع: «فى مصر نسعى لتوطين صناعة تحلية المياه من خلال عملية سحب للأملاح بطريقة Dialysis، وهى معملية، وفيها تمر المياه دون السماح بمرور الأملاح«، مؤكدا أن مصر تتطلع لتصل كميات المياه المحلاة إلى 450 ألف متر مكعب فى خلال السنتين القادمتين، وإلى أكثر من 2.5 مليون متر مكعب فى عام 2037. وعن تباين أحجام محطات التحلية، ودورها فى تحقيق التنمية، يشير الدكتور عبدالحميد الأعصر، بمركز التميز لتحلية المياه، إلى أن مشروع مركز بحوث الصحراء لتوطين البدو يعتمد على توفير مصدر مياه آمن، وصالح للشرب بتجمعات البدو. ويضيف أنه فى منطقة مثل وادى الديب فى الصحراء الشرقية، وفى عمق يصل إلى 120 كيلو مترا داخل الوادي، تُوجد تجمعات سكانية قليلة العدد مكونة من قبيلة يصل عدد أفرادها إلى مائة فرد ، لذلك فإن محطة تحلية المياه الصغيرة المتنقلة هى الأفضل حيث توفر ما بين 10 أمتار مكعبة إلى 20 مترا مكعبا يوميا، مضيفا أن المركز أقام محطتين فى مطروح وأخرى فى شلاتين لتحلية المياه. لحماية البيئة وفى الختام توصلت حلقة العمل إلى توصيات عدة، من أهمها تطوير المعالجة الكيميائية لمياه البحر بإنتاج مواد تزيد من كفاءة عملية فصل الأملاح مع مراعاة التأثيرات البيئية، وتطوير العمليات المختلفة لأنظمة الهجين لتقليل تكلفة المياه المحلاة مع تطوير الأغشية المقاومة للبكتريا والكلور لزيادة معدلات إنتاج المياه، وكذلك تطوير عمليات الترشيح لإزالة الشوائب العضوية وغير العضوية، مع ضرورة تطوير أنظمة التحكم الذكية لتقليل استهلاك الطاقة، فضلا عن تطوير أبحاث النانو تكنولوجى فى إنتاج أغشية ضغط أسموزى ذات قدرة عالية لفصل الأملاح بأقل ضغط وحرارة.