لغة الأرقام والإشارات والإحصائيات تؤكد أن هناك ما لايقل عن 5 ملايين مصرى اصم فاقدون حاسة السمع أو يعانون ضعفها الشديد ، والمفاجأة أن كل هؤلاء لم يتمكن أى واحد منهم من الالتحاق بالتعليم الثانوى العام فى كل تاريخ مصر التعليمى الجامعى الطويل الممتد لقرن وعقد، كما لم يفكر سوى عدد محدود جداً من الجمعيات الأهلية يقل عن عدد أصابع اليد الواحدة فى قضية هؤلاء المظلومين فى مجتمعنا المصرى ، أيضا لم يتبن تلك القضية من رجال الأعمال سوى واحد فقط هو محفوظ نصر الله (أحد رجال الأعمال المهتمين بالخدمة العامة ودعم الفئات الخاصة )الذى جند نفسه لخدمة الطلاب الصم ويدفع رواتب مترجمى لغة الإشارات المساعدين لهم داخل مدرجات الجامعة. .......................................................................... فى البداية قال محفوظ نصر الله :- أعداد المواطنين الصم وضعاف السمع فى مصر يتجاوز الخمسة ملايين مواطن وهو رقم ضخم بكل المقاييس ، أما ذوو الاحتياجات الخاصة فيشكلون 10% أو 11% من سكان مصر ، بالنسبة لحل مشاكل الصم فى التعليم الجامعى لابد من تدخل الدولة وبشكل شامل ومباشر وعلمى لأنهم أبناء الوطن عليهم كل الواجبات ولهم كافة الحقوق التى كفلها لهم القانون خاصة فى التعليم والصحة والإعلام وغيرها ، فكل دول العالم تهتم بالصم بل تستفيد من قدراتهم لخدمة أوطانهم فى كل المجالات حتى فى الصناعة والاقتصاد بل التعليم والبحث العلمى أيضا، ومن غير المعقول أن يحرموا فى مصر من حق الالتحاق بالثانوية العامة رغم وجود قانون صريح يمنحهم هذا الحق وهم ليسوا فئة مهمشة بل لايوجد إنسان مصرى واحد يهمشه القانون المصرى ، ولا توجد دولة من دول العالم المتقدم تحرمهم من هذا الحق ، ولقد تأخرنا كثيراً فى مصر وبعد معاناة فى ادخال هؤلاء الطلاب الجامعة عبر بوابات التعليم الثانوى الصناعى وليس الثانوى العام والذى يحرمون منه للآن، ولابد من تسجيل المواقف الرائعة للرئيس السيسى الذى تجاوب مع أولياء أمور الطلاب وكذلك وزير التعليم العالى والدكتورة غادة والى وزيرة التضامن التى ساندت مطالب الصم وضعاف السمع فى الالتحاق بالجامعات المصرية وبادرت بالاتصال بالدكتور أشرف حاتم رئيس المجلس الأعلى للجامعات ولجنة قطاع عمداء التربية النوعية برئاسة الدكتور عبد الرحمن محمد عطية، وكلها جهود أثمرت وضع أقدام مجموعة من الطلاب داخل الجامعات لأول مرة فى تاريخ الجامعات المصرية الذى يربو على أكثر من قرن وعقد، وهذه كبداية جديدة ولكنها ليست كل الحقوق ، لأن هؤلاء الطلاب يعانون من مشكلات عديدة وحتى داخل مدرجات الجامعة ، علماً بأن الكليات التى قبلتهم تتمسك بنسبة ال 5% فقط من عدد طلاب كل كلية. الجهود الذاتية ويجيب محفوظ نصر عن سؤال خاص بأهم تلك المعوقات فيقول: على رأس تلك المشكلات عدم وجود مترجمى لغة الاشارة من داخل الجامعة، والجامعات التى قبلت الطلاب الصم فى كلياتها تعتمد على مترجمى لغة إشارة من خارجها بل رواتبهم تدفع من الجهود الذاتية ،وهناك مساعدات من جمعيات أهلية هى مؤسسات مصر الأمل للتنمية والرعاية وراعى مصر والمركز الثقافى القبطى ورئيسه الأنبا أرميا الذى وقع بروتوكول للتعاون مع جامعة عين شمس برئاسة الدكتور عبد الوهاب عزت وتم تفعيله فى عدة مجالات لخدمة الصم وضعاف السمع منها تنفيذ أول دورة تدريبية لتعليم لغة الاشارة لمن يرغب فى العمل كمترجم للطلاب الصم داخل المدرجات الجامعية ،والدورة تعليمية متخصصة لتمكين الحاصلين عليها من ترجمة المناهج الأكاديمية ، وقد التحق بهذه الدورة 30 مترجم إشارة نجح منهم 23 مترجما، علما بأن هذا التدريب استغرق ثلاثة أشهر بواقع ثلاثة أيام أسبوعيا، وأعقب الثلاثة أشهر دراسات أعلى (دورات تدريبية راقية ) تمكنهم بالعمل فى الجامعات والتربية والتعليم والقنوات الفضائية والمستشفيات والمؤسسات الحكومية وكل المواقع التى تحتاج مترجمى إشارة ، لأن مترجم لغة الإشارة أصبح ضرورة قصوى لخدمة الملايين من الصم وضعاف السمع، والبروتوكول الثانى لخدمة نفس القضية وسيتم توقيعه قريباً بين نفس المركز وجامعة القاهرة برئاسة الدكتور جابر نصار وكان لى شرف حضور الجلسة التمهيدية مع الدكتور سعيد يحيى نائب رئيس الجامعة ، وبوجه عام تلك البروتوكولات تقدم بعض الحلول وليس كلها ، مما يعنى أن الأمر يحتاج إلى تدخل قوى من الدولة لحل مشكلة الترجمة للغة الإشارة وبشكل علمى لتوحيد تلك اللغة لجميع الطلبة ، بالإضافة إلى تجويد التعليم الأساسى وتمكين الطلاب من الالتحاق بالتعليم الثانوى العام للتأسيس الجيد للدخول فى التعليم الجامعى ، مع ضرورة تنوع الكليات التى يلتحقون بها لتعظيم الاستفادة من قدراتهم تنوع التعليم الجامعي وعلى نفس المفهوم يؤكد المستشار أمير رمزى رئيس محكمة جنايات القاهرة وأحد المتعاطفين مع قضية الطلاب الصم: بالطبع خطوة فى غاية الأهمية أن يلتحق الصم وضعاف السمع بالتعليم الجامعى وهى خطوة أولى من حقوقيات الصم وذوى الإعاقة الحركية وغيرهم، يجب أن تتبعها خطوات تالية تمكنهم من تلقى واستكمال دراساتهم وتعليمهم فى كليات أخرى متنوعة وليست كلية التربية النوعية فقط6. لغة الإشارة وكواحدة من المتخصصين فى التعامل مع الصم تحدثت كلير غايس عبد الملك استشارى تعليم ومدرب ومترجم الصم فقالت: كانت الموافقة على دخول الصم الجامعة إنجازاً بكل المقاييس فهذا حقهم الطبيعى الذى حرموا منه ، وبالنسبة لقضية الترجمة للغة الإشارة فهذه مشكلة عالمية لأن لغة الإشارة تختلف من دولة لأخرى ولكل دولة لغة الإشارة الخاصة بها، بل كل مقاطعة فى أى دولة لغة إشارة خاصة بها، وحتى فى مصر لغة الإشارة فى القاهرة والوجه البحرى تختلف عنها فى الصعيد، بل الاختلاف من محافظة لأخري، ومع ذلك فهى ليست المشكلة المعوقة ويمكن التغلب عليها، علماً بأن من تم قبولهم بجامعات عين شمس والقاهرة وأسيوط والإسكندرية والفيوم والزقازيق 78 طالبا وطالبة فى كليات الاقتصاد المنزلى والتربية النوعية بأقسام التربية الفنية وتكنولوجيا التعليم، ويساعدهم فى جامعتى القاهرة وعين شمس 20 مترجم لغة إشارة لاتتحمل الجامعات رواتبهم. حماس هداية الطالبة هداية أحمد عثمان الأولى على الجمهورية ( الثانوى الصناعى «الصُم» ) عام 2014/2015، والطالبة بالصف الثانى بقسم تكنولوجيا التعليم بكلية التربية النوعية تقول بحماسة تبهر من يراها: »لا أبداً أنا مش متضايقة إنى صماء على العكس أنا حاسة إنى قوية وطول عمرى وفى جميع مراحل التعليم من الابتدائى للإعدادى للثانوى الصناعى وأنا أعتمد على نفسى علشان أبنى مستقبلي، وعايزة اتعلم بجد ويكون معايا شهادة جامعية معترف بيها واتخرج وأشتغل زيى زى أى زميل بيسمع و أفيد المجتمع بجد ،كمان مع حفظ كل حقوق أقرانى فى قانون يعطيعهم نسبة 5% من الوظائف أنا على المستوى الشخصى رافضة تلك النسبة وعايزة أشق طريقى بجهدى وعرقى وكفاحى وأحصل على حقوقى بنبوغى واعتراف المجتمع بى ، سأكمل مسيرتى بإذن الله وأتمنى الحصول على درجة الدكتوراه وأساعد كل الصم وضعاف السمع فى وطنى مصر،وكل اللى أنا بأطلبه هو مساعدة المسئولين فى الحكومة والتعليم لنا ، وفى المقام الأول عدم إعاقة مسيرتنا ووضع العراقيل أمامنا . مترجم فى الامتحانات وتتضامن منى حسين والدة الطالبة دينا مطالبة بضرورة وجود مترجم داخل الامتحانات لشرح الأسئلة، كما تطالب بأهمية الدمج فى التعليم الأساسى بين الطالب الأصم وضعيف السمع والمتكلم ،والقانون يؤكد ذلك، ولكن إدارات المدارس ترفض، ووجود الطلاب الصم داخل مدارس التعليم الأساسى العادية أفضل من إنشاء مدارس خاصة للصم، لأن ذلك سيعطيهم الحق فى التعليم السليم وتحقيق طموحاتهم كطلبة عاديين، مع ضرورة الوعى اللازم للمدرسين والطلبة والمجتمع فى كيفية التعامل معهم وقبولهم القدرات العملية للصم ويلخص الطالب جون عماد رفلة الطالب بالصف الثانى بقسم التربية الفنية بذات الكلية المعوقات التى يقابلها فيقول: »أنا لما كنت فى سنة أولى كلية كنت مبسوط ومتماشى مع الدنيا ولما نجحت وانتقلت للسنة الثانية أشعر إن مفيش تواصل بينى وبين عضو هيئة التدريس بالكلية سواء كان دكتور أو معيد كل واحد فيهم حاسس إنى أصم ويقوم بتهميشي، على الرغم من تفوقى الذى يشهدون به على زملائى ،وأنا أطالب بتعديل لوائح توزيع الدرجات بالنسبة للصم ومراعاة لقدراتهم بحيث تصبح 70% للعملى و 30% للنظرى لأن قدراتهم فى العملى أكبر، وليس العكس المعمول به حالياً، فنحن فى كليات أساساً تعتمد أكثر على العملي«. وتنتقل دنيا حمدى الطالبة بالفرقة الثانية بتكنولوجيا التعليم وأغابى سعيد شهدى بالفرقة الثانية اقتصاد منزلى للحديث عن جودة التعليم مطالبتين بأن يكون التعليم أكثر جودة بالنسبة للطالب الأصم وان يراعى التساوى بين الطالب المتكلم وزميله الأصم،. مترجم الإشارة والمصطلح العلمى وبالتفصيل وعن مشكلة المناهج شرحت كريستين عماد صادق وأغابى سعيد الطالبتان بالفرقة الثانية (اقتصاد منزلى ) : بوجه عام كمية النظرى التى تشرح لنا فى الكلية كبيرة جداً ولايوجد وقت كافِ للمذاكره والتركيز، فنحن نذهب للجامعة كل يوم ماعدا الجمعة، وفى نهاية كل ترم نأخذ مذكرة كبيرة مطلوبا مذاكرتها واستيعابها وهذا صعب بالنسبة للطالب الأصم ، وبصفة خاصة هناك مشكلة أخرى بالنسبة للطلاب الصم فى قسم الاقتصاد المنزلى فنحن ندرس فى الفرقة الأولى كيمياء عضوية وفى الفرقة الثانية ندرس كيمياء حيوية ، ونحن فى الأساس قادمين من مدارس ثانوية صناعية وليس من ثانوية عامة، وكل ما حصلنا عليه فى مناهج تعليمنا مبادئ الكيمياء البسيطة جدا، والقفز منها لهذا المستوى نقلة كبيرة جدا وأكبر من قدراتنا وهذا فى حد ذاته محبط، نعم نحن نذاكر ونجتهد وكنا متفوقين فى المرحلة الثانوية الصناعية ، وثالث مشكلة أن هناك عائقا كبيرا بالنسبة للترجمة بلغة الإشارة فالمترجم تصعب عليه بعض المصطلحات العلمية كما فى الكيمياء العضوية والحيوية ولايشرح لنا كل كلمة بل يعطينا المضمون فى حين المواد العلمية تحتاج لدقة متناهية فى الشرح، وأنا عايزة ولعدم وجود كتب أفهم كل كلمة مكتوبة على السبورة ويتعمل لنا ملخص، وأحياناَ نسأل مترجم لغة الإشارة ولكنه لايعطينا بالتفصيل لضيق الوقت. التعامل الإنساني ويلتقط يوحنا غنامى مدرس ووالد سارة ومريم خيط الحديث: التحقت سارة بكلية التربية النوعية وهى بالفرقة الثانية حاليا فيقول: معاناتنا كأولياء أمور تسع كتابا كبيرا وبدأت معى من الحضانة مروراً بالابتدائى والإعدادى والثانوى الصناعى وحتى الآن، وشكوانا دائمة من عدم التعامل الإنسانى مع الصم وضعاف السمع داخل مدارس التعليم الأساسى الخاصة بهم ، حتى المواطنين فى الشارع وفى الأشغال والمجتمع ،كما أنه فى الأشغال العامة والخاصة يتم التمييز بينهم فى الرواتب فالشخص العادى المتكلم يحصل على ضعف الأصم على الرغم من تساويهما فى الكفاءة وقد يتميز الأصم بذكاء وأداء أعلي. التأمين الصحى المفقود ويضيف غنامي: أنا من أبناء الأقصر ومن أجل تعليم بناتى ورغم ارتفاع تكاليف المعيشة فى القاهرة نقلت عملى وأسرتى لها، لأنه لاتوجد خدمات حقيقية للصم فى الأقصر أو الصعيد، رغم أن القانون يمنحهم حق التعليم والدمج ، ولو أن أى مسئول رزقه الله بابن أصم لم يكن يتوانى عن تطبيق القانون بل سيقاتل من أجل ذلك، ورغم أن سارة ابنتى حصلت على مجموع كبير جداً فى الإعدادية إلا أنها حُرمت من الالتحاق بالثانوية العامة، ووصل الأمر آنذاك بمديرة إحدى المدارس الثانوية العامة أن قالت لى « يا أنا لبنتك فى المدرسة دي»، وأُرغمت هى وزميلاتها على الالتحاق بالثانوى الصناعي، ومع ذلك استمر تفوقها لتلتحق بالجامعة بعد معركة ضارية مع أعداء النجاح والتفوق، ومازلنا ننحت فى الصخر لعدم نظر المسئولين لمشاكل بناتنا وأبنائنا فى الجامعة، حتى التأمين الصحى الذى كان يتمتع به الطلاب الصم ينتهى عند المرحلة الثانوية ولايمتد للمرحلة الجامعية.