يحمل قرار مجلس الأمن الدولى 2334 الخاص بعدم مشروعية الاستيطان الإسرائيلى على الأراضى الفلسطينية المحتلة دلالات مهمة وتداعيات كبيرة على مسار القضية الفلسطينية وعملية السلام. أولا: القرار جاء بموافقة 14 عضوا فى المجلس وامتناع الولاياتالمتحدة وهو ما يعطى مصداقية كبيرة للقرار، ويعكس إجماع المجتمع الدولى على رفض وعدم إقرار السياسات التى تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة فيما يخص سرطان الاستيطان فى الأراضى الفلسطينية ومساعيها المستمرة لتهويد القدسالشرقية ونشر المستوطنات فى الضفة الغربية لفرض الأمر الواقع على أية مفاوضات سلام مستقبلية بحيث لا يكون هناك أى خيارات عملية أمام الفلسطينيين سوى القبول بدولة منزوعة السلاح تتكون من كانتونات منعزلة فى إطار نظرية السلام على الطريقة الإسرائيلية. ثانيا: رغم أن القرار جاء وفقا للفصل السادس من ميثاق الأممالمتحدة الذى لا يتضمن فرض عقوبات اقتصادية أو عسكرية فى حالة مخالفته من جانب إسرائيل, والتى ضربت عرض الحائط بعشرات القرارات السابقة, إلا أنه قرار ملزم وفقا لاختصاص مجلس الأمن بحفظ الأمن والسلم الدوليين, ويؤكد بطلان ما تقوم به إسرائيل من إجراءات من عام 1967 لتغيير الوضع الديمغرافى للأراضى الفلسطينية, ويفرض على المجتمع الدولى الالتزام به خاصة فيما يتعلق بحظر التعامل مع الأنشطة الاقتصادية للمستوطنات, وهو ما يمثل ورقة ضغط كبيرة على إسرائيل وكشف ممارساتها العدوانية تجاه الشعب الفلسطينى أمام العالم, كما أن القرار يفعل دور مجلس الأمن فى حل القضية الفلسطينية بعدما أصابه الجمود لعقود بسبب الفيتو الأمريكى, إضافة إلى أنه يمكن من تحويل الجرائم الإسرائيلية وجرائم المستوطنات إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة ومعاقبة مرتكبيها. ثالثا: يعيد القرار القضية الفلسطينية إلى قلب الأجندة الدولية والاهتمام العالمى مرة أخرى بعدما توارت فى السنوات الأخيرة نتيجة لتجمد عملية السلام بسبب سياسة المراوغة الإسرائيلية, ونتيجة لاندلاع ثورات الربيع العربى وتصاعد الانشغال العالمى بقضيتى الإرهاب واللاجئين, وهو ما وظفته إسرائيل جيدا فى استمرار سياسة الاستيطان والقضاء على ما تبقى من القضية الفلسطينية ورفض كل مبادرات السلام سواء الأمريكية أو الأوروبية, وهو ما يؤكد أن القضية الفلسطينية ستظل أم القضايا ومحور الاستقرار فى المنطقة وأن كل الأزمات الأخرى بشكل أو بأخر انعكاس لعدم حل وتسويتها بشكل عادل ودائم. رابعا: يدعم القرار بشكل كبير عملية السلام وحل الدولتين باعتباره يكرس مرجعية السلام مع قرارات الأممالمتحدة خاصة القرار 242 و181 و225 والتى تؤكد انسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها عام 1967 والسماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدسالشرقية وحق عودة اللاجئين وإخلاء المستوطنات الإسرائيلية من تلك الأراضى باعتباره السلام العادل والشامل الذى يحقق الأمن والاستقرار لجميع الأطراف, لأن أية صيغة أخرى تفرضها إسرائيل للسلام ستكون مشوهة وتعنى استمرار حالة اللاحرب واللاسلم واستمرار الصراع والتوتر فى المنطقة. خامسا: يثبت القرار أن الولاياتالمتحدة الراعى الرسمى لعملية السلام هى الفاعل الأساسى فى تحريك عملية السلام, فهى الطرف الوحيد القادر على الضغط على إسرائيل وإقناعها بتقديم تنازلات حقيقية فى عملية السلام, كما أن انحيازها السابق لإسرائيل كان سببا فى فشل تلك العملية واستمرار حالة الجمود على مسار القضية الفلسطينية نتيجة لحمايتها لإسرائيل واستخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن ضد أية قرارات تدين ممارساتها العدوانية على الشعب الفلسطينى, فقد استخدمت واشنطن حق الفيتو أكثر من ثلاثين مرة, باستثناء القرار 446 لعام 1979 والذى يدين الاستيطان الإسرئيلى أيضا, وبخلاف ذلك شكلت أمريكا مظلة حمائية قانونية وسياسية لإسرائيل مما شجعها على تحدى المجتمع الدولى, ولذلك يشكل امتناع واشنطن عن استخدام حق الفيتو لتمرير القرار تحولا إيجابيا فى سياسة إدارة أوباما التى تريد أن تختم فترتها ببارقة أمل للقضية الفلسطينية بعدما فشلت طوال ثمانية أعوام فى تنفيذ وعدها بتحريك حالة الجمود التى أصابتها, وفقا لحل الدولتين, لكن هذا الموقف الأمريكى تجاه القرار 2334 يمثل حالة استثنائية خاصة مع تولى إدارة ترامب السلطة فى يناير والذى تعهد بالدعم الكامل لإسرائيل ورفض هذا القرار والعمل على إلغائه, إضافة لتعهد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس, وهو ما يبدى مؤشرا سلبيا تجاه موقف الإدارة الأمريكية المقبلة من عملية السلام ومرجعيات حل القضية الفلسطينية. سادسا: الأهم هو مرحلة ما بعد قرار مجلس الأمن وضرورة توظيفه جيدا من جانب الفلسطينيين والعرب, والتحرك الفاعل على كافة المستويات لحشد الدعم الدولى من أجل دعم الموقف الفلسطينى خاصة بعد المكتسبات المهمة التى حققها الفلسطينيون بعد الحصول على صفة دولة مراقب فى الأممالمتحدة واعتراف العديد من برلمانات العالم بالدولة الفلسطينية وعدم مشروعية الجدار العازل, وهذا يتطلب أهمية تحقيق الوحدة الفلسطينية وتسريع عملية المصالحة بين حركتى فتح وحماس وتوحيد الموقف العربى من أجل الإسراع فى تسوية القضية الفلسطينية وإنهاء آخر احتلال غاشم فى العالم. لمزيد من مقالات د.أحمد سيد أحمد