أطلق البروفيسور سليم الحسني رئيس مؤسسة العلوم والتكنولوجيا فكرة مهمة عنوانها (ألف اختراع واختراع: التراث الإسلامي في عالمنا)، وجعل الفكرة قائمة على كتاب، ومعرض جوال، ودليل للمعلمين، وملصقات تعليمية، وموقع إلكتروني. ويقوم المشروع برصد ألف اختراع من تراث المسلمين في مجالات متعددة، منها الساعات وأجهزة الحيل وآلات التصوير ونظام الصوت، ومنها علم الهندسة، والمثلثات، والكيمياء، والفن والزخرفة العربية، ومنها علوم الفلاحة والتوازن البيئي، والسدود، وطواحين الهواء، ومنها تطوير المستشفيات والجراحة والصيدلة، ومنها تخطيط المدن والهندسة المعمارية والحدائق والنوافير العجيبة، ومنها علوم المساحة والرحالة والمستكشفين، وعلوم القلاع والحصون والسلاح، ونظام البريد والرسائل، ومنها علوم الفلك والمراصد والأدوات الفلكية المختلفة، وغير ذلك من المجالات التي تطرق إليها العقل المسلم، وهو يستلهم القيم العليا في هذا الدين، من الرحمة، والأمان من الخوف، والكفاية والسعة، والرخاء والعمران، واحترام الأكوان، والسير إلى الله والتقرب إليه. وقد كان المسلمون يدركون جيدا أن حركة العقل عندهم وانطلاقه في آفاق رحيبة وواسعة من التأمل والابتكار والنظر والتدبر كانت انفعالا بمنهج التفكير في القرآن الكريم، حيث شدَّ أنظارهم إلى السماء بإلحاح، وأمر بالنظر والتدبر والتعقل، وأمر بالسير في الأرض لينظروا كيف بدأ الخلق، وأمرهم بالتفكر في خلق السموات والأرض، وأمرهم بالعمران والتمدن والحضارة، ثم رتب على كل ذلك راحة الدنيا والآخرة، وسعادة الدنيا والآخرة، مما دفعني إلى إطلاق هذا الشعار: (الحضارة فريضة إسلامية). ومن المحتم أن نعيد تشغيل مصانع الحضارة في عقل الإنسان المسلم، حتى يرجع مرة أخرى قادرا على قراءة آيات الوحي وترجمتها إلى مؤسسة وحضارة واختراع واكتشاف، وليعيد تصحيح مسار الانحراف المروع الذي تورطت فيه تيارات التطرف عبر ثمانين سنة مضت وأكثر، حيث انحرفت بآيات القرآن وأحاديث النبي الكريم فحولتها إلى تكفير وجاهلية وصدام وقتل ودماء وخراب. وقد صدر كتاب (ألف اختراع واختراع) باللغة الإنجليزية، وصدرت منه نسخته العربية، وقد عكفت على قراءته باهتمام، ضمن سلسلة من الكتب المشابهة التي تدرس نفس الموضوع، والتي اقتنيتها وجعلتها جميعا محل تأمل ومطالعة مستمرة، حيث كتب الأستاذ: قدري حافظ طوقان كتابه القيم: (تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك)، وكتب عبد الحليم منتصر كتابه: (تاريخ العلم، ودور العلماء العرب في تقدمه)، وكتب عبد الله الجراري كتابه: (تقدم العرب في العلوم والصناعات)، وكتب الدكتور زهير حميدان: (أعلام الحضارة العربية الإسلامية في العلوم الأساسية والتطبيقية)، وهو مطبوع في ستة أجزاء، ترجم فيه لألفين وأربعمائة من أعلام تلك الفنون، مع ذكر أسماء تصانيفهم، وأماكن وجود مخطوطاتها في المتاحف ودور المخطوطات في العالم. لكن كتاب (ألف اختراع واختراع) على وجه الخصوص حظي باهتمام خاص، حيث قامت المؤسسة التي أصدرته بتلخيص نسخة لطيفة وصغيرة منه للأطفال، وأنا شخصيا قد اعتنيت عناية بالغة بشراء كمية من نسخة الأطفال هذه، وكنت أوزعها هدية للأطفال عقب انتهائي من إلقاء خطبة الجمعة بمسجد المشير كل أسبوع، وكنت أقول لكل طفل يأخذ نسخة: (لابد من أن تقرأ الكتاب، ولابد من أن تكون مخترعا ينفع مصر، ويرفع رأسها في العالم). هذا وقد صدر أيضا فيلم مرافق للمعرض الجوال نال خمسة وعشرين جائزة عالمية، وأخبرني صديقي الدكتور محمود صقر رئيس أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا أنهم استضافوا معرض ألف اختراع واختراع في مكتبة الإسكندرية قبل بضعة أشهر. وقد اعتنت بطباعة هذا الكتاب: ناشيونال جيوغرافيك، وكتب محمد الحمادي رئيس تحرير مجلة ناشيونال جيوغرافيك العربية يقول: (يبدو هذا الكتاب للوهلة الأولى كأنه موجه إلى العالم الغربي، لكنني أعتقد أننا كعرب ومسلمين أكثر حاجة إلى أن نقرأ هذا الكتاب ونتمعن فيه لنتذكر ما أنجزه آباؤنا الأولون منذ مئات السنين) حتى يقول: (كما أننا بحاجة إلى هذا الكتاب كي نعيد الثقة في نفوس أبنائنا ليدركوا أننا لم نكن يوما مجرد مستوردين للحضارة والابتكارات). وأختم بكلمات أقتبسها من المقدمة التي كتبها السير رولاند جاكسون الرئيس التنفيذي للجمعية العلمية البريطانية لهذا الكتاب: (أرحب بهذا الكتاب الشائق الأخاذ، بوصفه إسهاما مهما في فهم أوسع للعلوم والتكنولوجيا ضمن الحضارة الإسلامية، وفهما أوسع لما نحن مدينون به في المجتمعات الحديثة لهذا التراث بوجه خاص)، إلى أن يقول: (وكلنا أمل في أن يلهم هذا الكتاب المسلمين وغير المسلمين -بل الذين لا يدينون بدين- وأن يصبح مرشدا للسبل التي تقود العلم إلى الكشف عن أعاجيب العالم الطبيعي). لمزيد من مقالات د.أسامة السيد الأزهرى;