كيف يمكن إعادة بناء مصر وتحقيق أهداف ثورة الخامس والعشرين من يناير2011 ؟اجتهد المعهد الدولي للشئون الدولية في لندن تشاتام هاوس بحثا عن اجابة لهذا السؤال, وعلي مدار شهور, أجري المعهد جلسات نقاش تحت عنوان مشروع حوار مصر, جري تشريح الحالة المصرية وتشخيص معوقات ومتطلبات بناء الدولة الجديدة. وشارك في الحوارات التي نظمت في القاهرة, بإشراف برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في تشاتام هاوس, باحثون, وخبراء قانونيون, وقادة سياسيون, ورجال أعمال, ومفكرون, وصحفيون وممثلو منظمات المجتمع المدني. مساءلة وشفافية في بناء الدولة, تحقق ما يشبه الإجماع حول الأسس التالية لبناء الدولة المدنية الحديثة, انسحاب الجيش الكامل من الحياة السياسية, فصل السلطات بشكل واضح مع ضوابط وتوازنات تلتزم بها كل أفرع السلطة التنفيذية بمنا يضمن الشفافية والمحاسبة, واعادة بناء قطاع الاعلام بما يضمن الاستقلالية المهنية الكاملة. وهذه الأمور ترتبط بتغييرات أهمها إيجاد ثقافة المساءة والشفافية, باعتبارهما كانتا مفتقدتين في عهد النظام السابق ومن مطالب ثورة يناير. تركز النقاش بصورة كبيرة علي دور المؤسسة العسكرية في مصر بعد الثورة, وبدا واضحا أن هناك توافقا علي أنه طالما بقي المجلس الأعلي للقوات المسلحة( باعتباره ممثلا للمؤسسة العسكرية), لاعبا سياسيا, فإن تلك التغييرات لن تحدث, وحتي مع افصاح المجلس العسكري عن رغبته في التنازل عن السلطة الي حكومة مدنية, يعتقد العديد أنه مستمر في العمل من وراء الكواليس لترسيخ امتيازاته وشق مساحة يستطيع اللوذ بها للهرب من المراقبة والتدقيق. خضع دور الجيش في الاقتصاد المصري لتمحيص دقيق, وكان هناك اتفاق علي أن لديه شبكة واسعة من المصالح الاقتصادية قدر حجمها ب03 بالمائة من اجمالي الناتج المحلي, وتتضمن مجالات متنوعة كالأسلحة والترفيه والزراعة. واعتبر المشاركون أن ترسخ تلك المصالح وأهميتها للاقتصاد مشكلة اضافية أمام الانتقال من الحكم العسكري الي المدني, وأحد تفسيرات ذلك هو نقص الشفافية حول تلك الأنشطة الاقتصادية. ونظرا لأن الميزانية العسكرية مستثناة من رقابة البرلمان, فإن هناك مشكلة في فهم الحجم الحقيقي لشبكة الجيش الاقتصادية, وحذر المشاركون من الآثار السلبية لذلك علي التطور الاقتصادي مستقبلا, حيث يصعب تطوير استراتيجيات اقتصادية فعالة حين يجري انتاج جزء كبير من الناتج المحلي الاجمالي في صندوق اسود. قضايا رئيسية فيما يتعلق بالمساءلة, والعدالة الانتقالية, والصفقات والمقايضات, واحتواء الأقليات, طرحت التوصيات التالية: أولا: إصدار قانون جديد لحرية المعلومات يضع الأساس لنظام سياسي أكثر شفافية ويكون أداة جديدة لكشف الأمثلة الماضية عن الفساد وسوء الممارسة السياسية, ثانيا: تشريع جديد ينظم بوضوح تضارب المصالح, ثالثا: مراجعة عاجلة للتشريعات المتعلقة باحتياجات قانون العقوبات المصري, وخصوصا المواد التي دخلت حيز التنفيذ في ظل حكم المجلس الأعلي للقوات المسلحة, رابعا: تقنين واضح لحقوق المتظاهرين, والتي ينبغي علي البرلمان المنتخب حمايتها, خامسا: البحث عن وسيلة تمنع وجود أي ملجأ آمن لأولئك المسئولين عن قتل أو اساءة معاملة المحتجين, وتقديم هؤلاء الي العدالة. مساءلة البرلمان نفسه علي أدائه ودوره في خدمة الشعب, كان محل نقاش مستفيض, واتفق المشاركون في الحوارات علي أن المصريين يحتاجون للشعور بأن برلمانهم الجديد خاضع للمساءلة عن القرارات التي يتخذها. واقترحت الطرق التالية لتحقيق هذا الهدف: أولا: زيادة وضوح الأنشطة البرلمانية بالبث الحي للجلسات من قاعة البرلمان, ثانيا: تكليف البرلمان بإصدار تقارير منتظمة عن أنشطته ويدعم ذلك بتشريع يحدد نوع المعلومات التي ينبغي علي وزارات الدولة نشرها بشأن عملها وخدماتها للناس, ثالثا: إدخال التصويت الإلكتروني في البرلمان ومراقبته بواسطة هيئة مستقلة. رابعا: وضع مؤشرات أداء للسياسيين, خامس منح الناخبين سلطة استدعاء ومساءلة النواب الذين يعجزون عن الأداء المرضي في البرلمان واقترح ان يستدعي النواب بعد جمع عدد معين من توقيعات الناخبين. صفقات محتملة واستنادات إلي الجدل المثار في مصر بشأن صفقات محتملة مبرمة بين المجلس العسكري والإخوان تبين أن أوجه التشابه بين مواقف المجلس والإخوان المسلمين المقبلة هي ببساطة مصالح متوازية وليست صفقة صريحة وبغض النظر عن وجود أي اتفاق واقعي في هذه المرحلة, أقر المشاركون بأن المقايضات حتمية في المستقبل, ولذا تكرر التشديد علي الدعوة لمزيد من الشفافية في مثل تلك الصفقات لأن هذا يسهم في استعادة ثقة الجماهير في السياسة الرسمية. وأكد المشاركون أن إشراك المرأة في العمل السياسي هو أحد معايير نجاح الدولة المصرية الجديدة ورغم الخطاب الاحتوائي للثورة المصرية, تشعر جماعات الأقليات الآن بتهميش حقوقها الاجتماعية والسياسية وعلي مدي العام الماضي, ازداد ايضا تهميش النساء في الحياة السياسية وقدم المشاركون التوصيات التالية إلي النشطاء وصانعي السياسة: أولا: تمثل الحصص أفضل إجراء في الأجل القصير لزيادة تمثيل النساء في السياسة علي المستويين المحلي والوطني, ثانيا: ينبغي تكميل ذلك بحملة إعلامية تركز علي مبرر استخدام الحصص, ثالثا: يتعين علي دعاة الحملة العمل بالتوازي في حماية حقوق الأقليات والجمع بين النشاطات السياسية الرسمية( المتعلقة بالتشريعات والدستور) وبين استمرار العمل علي تمكين القاعدة الشعبية والتثقيف. رابعا: يجب تشكيل لجنة دستور مصر من طيف متنوع من الخلفيات لزيادة احتمال تحقيق الوثيقة النهائية حماية ملائمة لحقوق الأقليات. دور الدين التوافق بين الديمقراطية والدين كان نقطة نقاش خلافية. ورأي البعض أنهما متوافقان مستشهدين بأندونيسيا كمثال علي دولة أنشأت نظاما سياسيا في مركزه الإسلام وأصر آخرون علي أن مؤسسات الدين والسياسة ينبغي أن تنفصل تماما. وجري الاتفاق علي ضرورة وضع إطار ديمقراطي يحفظ حق الأفراد في ممارسة الدين بالطريق التي يرونها مناسبة. ورأي آخرون أن لاتعارض بين ظهور مجتمع ديمقراطي مفتوح وبين دستور يحدد الشريعة بأنها المصدر الرئيسي للتشريع. ورأي البعض أن الغرق في الجدل بشأن الدين مقابل العلمانية يهدد بصرف الانتباه عن قضايا أهم وجري الاتفاق علي أن يحدد دور الدين في إطار الديمقراطية والتعددية وسيادة القانون. وفي المرحلة الراهنة فالقضية الأهم هي النظام السياسي الذي سينبثق, فهو الإطار الذي يمكن ضمنه إجراء ذلك الحوار. أولت النقاشات اهتماما بالغا لدور الإعلام في ظل علاقة الإعلام بالسلطة في مصر منذ ثورة يوليو2591, وصدرت مطالبة بإصلاح شامل للإعلام الرسمي المصري, كي يصبح أداة فعلية في مراقبة آداء الحكومة, وطرح اقتراح باتباع نموذج هيئة البث الإذاعي والتليفزيوني البريطانية( بي. بي. سي), إذ برغم تمويلها من الدولة, فإنها تدافع بشدة عن استقلالها التحريري الخاص. كيف يكافح الفساد؟ لم تجد الحوارات فرصة كبيرة لنجاح إعادة بناء الدولة دون إطار واضح لمكافحة الفساد. وبعد استعراض تجارب الدول الأخري, جري طرح التوصيات التالية: أولا: من المفيد للحكومات عندما تسعي إلي مكافحة الفساد وجود تفويض قوي بالمكافحة, لذا فمن الأهمية البالغة القبول علي الصعيد الوطني يجعل ذلك أولوية سياسية, وعلي حساب قضايا أخري أحيانا. ثانيا: يتعين علي الجهات الفاعلة المحلية أن تتولي مكافحة الفساد, بالرغم من أن المساعدة الخارجية قد تكون نافعة. ثالثا: سن قانون لحرية المعلومات يمكن من مقاضاة حالات الفساد السابقة بإلقائه الضوء علي تفاصيل الصفقات المرتبطة. ويمكن لوسائل الإعلام المستقلة أن تمثل قوة مهمة في محاربة الفساد, فتبرز انتشاره وتعلم المواطنين بحقوقهم القانونية. ووجهت الحوارات توصيات إلي الأطراف الدولية المهتمة, كما تقول, بالإصلاح في مصر. وتشمل: أولا: إعادة أموال حقبة مبارك إلي مصر ويتحقق ذلك بالمساعدة القانونية والضغط الدبلوماسي. ثانيا: إعادة بناء الثقة وتوضيح النوايا وراء المساعدة المقدمة منها لمصر.