عندما أعلن صالون الأوبرا الثقافي عن ندوة مستقبل الثقافة والفن في مصر تصورت أن يتزاحم المكان بعشرات المبدعين والمثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي بشكل عام. خاصة أن معظم مسارح القطاع العام مظلمة تنتظر المصير المجهول, وجميع مسارح القطاع الخاص في اجازة مفتوحة, والسينما تراجع انتاجها إلي أقل المعدلات وانتاج الأغاني يستخدم جهاز التنفس الصناعي معتمدا علي رنات التليفون المحمول والكتاب يتراجع كما وكيفا. كانت الصدمة في ندوة صالون الأوبرا أن أكثر من نصف مقاعد المسرح الصغير شاغرة برغم أن المنصة تضم الفنان الكبير أشرف عبدالغفور نقيب الممثلين والدكتورة عزة هيكل الكاتبة والشاعرة والفنان هاني شنودة الملحن ومؤسس فرقة المصريين والدكتور حمدي أبوالمعاطي نقيب التشكيليين والأستاذ أمين الصيرفي مدير الندوة وبالطبع الضيف الرئيسي والأهم الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة وأستاذ التاريخ. ولا أدري كيف غاب عن صالون الأوبرا دعوة من يمثل اتحاد الكتاب المصري ونقابة الصحفيين باعتبارهما من أهم وأقدم المؤسسات الثقافية! في بداية الصالون تحدث الفنان الكبير أشرف عبدالغفور عن أزمة الرقابة والإبداع وذكر مشروعا جيدا لتطوير دور الرقابة بشكل يتناسب مع مناخ الثورة وهو المشروع الذي قدمه سيد خطاب ويقلص دور الرقابة في المرحلة الأخيرة من انتاج العمل الفني. كما أشار إلي مطاطية تعبير حرية الابداع واختلاف دلالته وتفسيره من شخص لآخر كما تحدث الفنان أشرف عبدالغفور عن تجربة شباب السينمائيين الذين نجحوا في تقديم أفلام برؤوس أموال مصرية وتخلصوا من تحكم الموزع الأجنبي وطلب نقيب الممثلين من الوزير أن يعود الإنتاج الحكومي للسينما وتدعيمها بوصفها الصناعة الثانية في مصر كما اشتهرت قديما,وتحدثت الشاعرة عزة هيكل عن خطورة الآراء المتشددة تجاه الثقافة والإبداع,وذكرت تجربة والدتها وهي طالبة في كلية دار العلوم في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي حيث كانوا يدرسون مواد الشريعة والفقة والأدب وأيضا يشاركون في النشاط المسرحي والرياضي والغناء,وكيف أنها كانت تدرس الموسيقي في قصر الثقافة المجاور لبيتها وهي طفلة وكان والدها الدكتور أحمد هيكل نموذجا لرجل العلم والدين المنفتح,وفجر الفنان هاني شنودة قضية السطو علي الملكية الفكرية عبر الإنترنت, وكيف تتعرض الموسيقي والأغاني لحملات سطو منظمة تهدد بتدهور هذا الفن مع انعدام الإيرادات. كما تحدث عن أهمية جمع الفولكلور من موسيقي وحكايات وأمثال وأشعار وغيرها من مأثورات شعبية. وتناول الدكتور حمدي أبوالمعاطي نقيب التشكيليين مشكلة التعقيدات البيروقراطية والفوضي التي تمنع مشروع تجميل المدن وعمل جداريات تعبر عن الثورة بأيدي فنانين شباب وعن البروتوكول الذي عقده مع الدكتور عبدالقوي خليفة محافظ القاهرة لتزيين وتجميل شوارع العاصمة.. وأعطي مدير الندوة الكلمة لمجموعة من الحاضرين تحدث من بينهم الدكتور أحمد سخسوخ أستاذ المسرح عن أزمة أكاديمية الفنون وضرورة تطهير مؤسسات العمل الثقافي من القيادات الفاسدة المنتمية لفكر النظام القديم والتي كان يتم اختيارها بمعايير أمن الدولة ولجنة السياسات المنحلة. كما أشار الأستاذ ربيع مفتاح إلي مخاوفه من هجوم البعض علي الثقافة بدعوي نصرة الدين ومحاربة المارقين وتحقيق حلم الخلافة والولايات المتحدة العربية واختتم الدكتور صابر عرب الكلمات معقبا ومتحدثا عن ضرورة أن تتكاتف وزارتا التعليم والإعلام مع وزارة الثقافة لعمل منظومة صالحة للمستقبل ودعا إلي أن يكون هناك مسرح في كل مدرسة وقاعة موسيقي ولو كان المسرح مجرد غرفة بها خشبة أو منصة مرتفعة. ويجب الاهتمام بمسرحة المناهج بل ومسرحة الدروس وتقديم العلم من فوق منصة المسرح, وقال إنه ينتمي إلي جيل كان يتعلم وفي مدرسته مسرح وغرفة موسيقي ومدرب انشطة رياضية وكل واحد من هؤلاء يشعر بقداسة وضرورة مايقدمه من عمل ثم عقب علي خوف بعض الحاضرين من غياب المثقفين في لجنة اعداد الدستور قائلا: إن فكرة تخوف المجتمع من نتائج لجنة الدستور في غير محلها, فالمصريون لن يقبلوا بما يخالف مبادئهم وقناعاتهم ولن يقروا إلا مايتفق مع الطبيعة المصرية وأن الشعب المصري أهم بكثير من اربعمائة عضو في مجلس الشعب مع الاحترام لهم وهذا الشعب لن يقبل بدستور يحجم دور المرأة أو يحجم دور الأقباط أو يقلص دور الأزهر الشريف.. وتعقيبا علي كلمة الدكتور سخسوخ أقر الوزير بحاجة بعض المؤسسات إلي تغيير هيكلي ونوعي ولكن ذلك يجب أن يكون باللوائح والقوانين المنظمة وليس بالمنطق الثوري وحده فعلينا دائما أن نعتصم بالقانون. وقال إن اكاديمية الفنون قد لعبت دورا تنويريا لمدة 60 عاما وكانت هي القوة الناعمة للثقافة والعقل وساعدت في أن يكون لمصر دورها الرائد علي المستوي العربي,وبالتأكيد هي بحاجة إلي تطوير وتواصل مع مؤسسات ثقافية عالمية من خلال بروتوكولات التعاون المشتركة. وأري أن الإنفاق في التعليم هو الأجدي والأهم. وعن مشكلة الرقابة قال الدكتور صابر عرب إن وجود الرقابة لم يمنع الإبداع المصري من أن يقول كلمته من ثرثرة فوق النيل إلي عمارة يعقوبيان. كانت أكثر الأراء سخونة ومعارضة تصدر من المسرح والسينما والشعر ومختلف الفنون برغم غتاتة الرقابة في بعض الفترات ودعا الوزير إلي أن تكون لقصور الثقافة مجالس أمناء يتم تشكيلها من سكان المنطقة ويمثلون النساء والشباب وليس من المبدعين وحدهم وقال إننا لم نشهد بعد أثر ثورة يناير علي الغد بما يليق بها ولكن الثورة ستلهم في المستقبل المسرح والسينما والشعر ومختلف مجالات الإبداع. [email protected]