الجمال الحقيقي هو جمال الجوهر، وجمال النفس, وجمال الروح، وجمال الخلق, وجمال العقل، فإذا انضم إلى هذا الجمال جمال المظهر، فما أجمل الإنسان إذا سرك مظهره ومخبره معا، غير أن جمال النفس ومظهرها وسموها هو المقدم وهو الأعلى قيمة والأبعد أثرًا وعليه مدار التفاضل الحقيقي، حيث يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ”، ويقول أديب العربية الكبير مصطفى صادق الرافعي في مقال له تحت عنوان “في فلسفة المهر”: إن خير النساء من كانت على جمال وجهها في أخلاق كجمال وجهها وكان عقلها جمالا ثالثًا, فهذه إن أصابت الرجل الكفء يسرت عليه، ثم يسرت، ثم يسرت؛ إذ تعتبر نفسها إنساناً يريد إنساناً، لا متاعاً يطلب شارياً، وهذه لا يكون رخص القيمة في مهرها، إلا دليلاً على ارتفاع القيمة في عقلها ودينها. ويقول نبينا صلى الله عليه وسلم: “إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ ودِينَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ”، فقد اشترط النبي صلى الله عليه وسلم، الدين على أن يكون مرضيًّا لا أي الدين كان، والخلق على أن يكون مرضيًا لا أي الخلق كان, وقال صلى الله عليه وسلم: “ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ “ .والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الدين والخلق أولا؟ وقبل جمال الشكل والمظهر، والإجابة أن الجوهر قبل المظهر, وأن الجمال أمر نسبي وقابل للتغيير أو الزوال، أما الدين والخلق فهما المعدن الأصيل الذي لا يصدأ أبدًا. فماذا لو كان الاختيار على أساس الجمال فحسب, والجمال أمر نسبي وما تراه جميلاً اليوم ربما لا تراه جميلاً غدًا, وماذا لو رأى الشاب بعد ذلك امرأة أجمل أو رأت المرأة شابًا أجمل منه؟ بل ماذا لو عرض لهذا الجمال ما يذهبه أو يشوهه، كأن تعرضت الزوجة أو الزوج أو الفتى الوسيم لحادث أو لمرض أذهب جماله وبهاءه فكيف تكون الحياة آنذاك؟ وهي قد بنيت أصلا على الجمال الظاهري لا غير. أما الدين والخلق فهما المعدن النفيس الذي يتجدد بتجدد الأيام, فحتى لو ذهب المال أو ذهب الجمال فإنما يبقى الدين والخلق, فصاحب الدين والخلق إن أحب زوجه أكرمها وإن بغضها لم يبخسها حقها, حتى صداق المرأة الحقيقي فهو ليس ما يقدم إليها من مال أو ذهب أو صداق إنما هو ما تجده من حسن المعاملة، يقول الرافعي: الصداق الحقيقي ليس ذلك المال الذي يُدفع إلى المرأة وهي في بيت أبيها قبل أن تذهب إلى بيت زوجها, صداقها الحقيقي معاملتها التي تجدها في بيت زوجها بعد أن تُحمل إلى داره، مهرها معاملتها، تأخذ منه يومًا فيومًا، فلا تزال بذلك عروسًا على نفس زوجها ما دامت الحياة بينهما. أما ذلك الصداق من الذهب والفضة، فهو صداق العروس الداخلة على الجسم لا على النفس، أفلا تراه كالجسم يهلك ويبلى؟ أفلا ترى هذه الغالية - إن لم تجد النفس في رَجُلها - قد تكون عروس اليوم ومطلقة الغد؟!, وما الصداق في قليله وكثيره إلا كالإيماء إلى الرجولة وقدرتها, فهو إيماء، ولكن الرجل قبْل. إن كل امرئ يستطيع أن يحمل سيفًا، والسيف إيماء إلى القوة، غير أنه ليس كل ذوي السيوف سواء ، وقد يحمل الجبان في كل يد سيفًا ، ويملك في داره مائة سيف, فهو إيماء، ولكن البطل قبْلُ، ولكن البطل قبْلُ. إذن فالقضية ليست في الشكل فحسب إنما هي في المعنى والمضمون, وليس الجمال الحقيقي هو جمال المظهر, إنما هو جمال الجوهر, وليس الصداق الحقيقي هو المال والذهب إنما هو في الدين والخلق وحسن المعاملة. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة