من يصدق أن هناك في قلب بحيرة ناصر جزيرة صغيرة تحمل آثارا وتاريخا مثيرا.. وهي الوحيدة الباقية من بلاد النوبة التي نجت من الغرق في مياه البحيرة العملاقة.. وهي الوحيدة التي لم تمتد إليها يد اليونسكو التي أنقذت28 معبدا كادت تغرقها المياه. كما أنها تضم في أعماقها أسرارا تكشف عنها بعثات الحفائر مع كل طلعة شمس.. ومع ذلك فإن الزمن لم يتركها علي حالها. الجزيرة الاسطورة عبارة عن مرتفعات صخرية عالية ترتفع بنحو80 مترا من سطح النيل, مما جعل موقعها الممتاز ينقذها من الغرق.. ولكنها بكل ما تحمل من قصور وقلاع وكنوز أثرية وتاريخ مثير معرضة الآن للدمار والاختفاء في أعماق البحيرة رغم اهتمام اليونسكو بها وإرسالها بعثة لاعداد تقرير عنها إلا أن نوم هيئة الآثار المصرية أدي بدوره الي نعاس هيئة اليونسكو, ولم يعد أحد يتذكر جزيرة قصر أبريم.. آخر ما تبقي من بلاد النوبة العظيمة فوق ظهر الأرض والموقع الوحيد من المواقع الاثرية لبلاد النوبة الذي ظل في مكانه دون ان تغمره مياه بحيرة ناصر. هناك في أقصي جنوب البلاد وعلي بعد235 كم جنوبأسوان تقبع الجزيرة الاسطورة في سكون ووحشة المكان.. رغم انها بموقعها بين الآثار والتاريخ يمكن ان تكون مقصدا سياحي شديد الجاذبية خلال رحلة سياحية في قلب البحيرة العملاقة تبدأ من السد العالي وصولا الي أبو سمبل. وتؤكد الاشارات الاثرية ان أقدم التحصنات والمنشآت فوق الجزيرة ترجع الي عصر الملك سنوسرت الثالث وعصر الدولة الحديثة, حيث نحتت اسفل القلعة المشيدة فوق الجزيرة خمسة مقامير من عصر حتشبسوت وتحتمس الثالث وأمنحتب الثاني وعصر الملك رمسيس الثاني وهذه المقامير نقلت ضمن حملة انقاذ آثار النوبة وهي العناصر التي أمكن إنقاذها فقط من كل آثار الجزيرة.. ونقلت واحدة فقط الي متحف النوبة والباقي ألقي بها في مخازن وادي السبوع. * ولكن ماذا تحمل هذه الجزيرة الغامضة من آثار وأسرار؟ د. محمد البيلي مدير آثار اسوان والنوبة يؤكد ان هناك معبدا من عصر الملك طهارق أحد ملوك النوبة.. وشيدت أعتاب وبوابات واعمدة المعبد من الحجر الرملي وبها مذبح من الجرانيت وزين المعبد بقدس الاقداس برسومات ملونة للملك( طهارق وآمون) ومساكن من نفس العصر وبعض أطلال من عصر نباتا. ثم مجموعة من المعابد مكانا للوحي للمعبود آمون وبعض التحصينات وحامية عسكرية. وعن الجزء المرتفع من الجزيرة وعلي الاطلال لآثار العصور السابقة شيدت كاتدرائية تؤرخ للقرن السادس الميلادي وظلت كرسي البايوية في النوبة حتي القرن الرابع عشر الميلادي. حكايات فوق الجزيرة ويروي الزمن ويحكي التاريخ العديد من الروايات التي شهدتها هذه الجزيرة الساحقة البعد في أقصي جنوب البلاد والتي شهدت تاريخا طويلا في عصور فرعونية.. وفي أوائل القرن السادس عشر الميلادي احتل السلطان سليم الاول قلعة هذه الجزيرة وحول الكاتدرائية الي مسجد.. وترك بها حامية من الجنود جاء بهم من البوسنة ولأن الجزيرة بعيدة عن مجري الاحداث.. فقد نسي السلطان سليم أمر هذه الحامية.. ومكث فيها الجنود وعاشوا كل حياتهم فيها وتزوجوا من أهل المنطقة ونسي أحفادهم لغتهم الاصلية وتحدثوا اللغة النوبية واندمجوا وتناسلوا مع أهل النوبة وأصبحوا جزءا منها. ولأن الجزيرة بعيدة عن الحياة في مصر فقد لجأ إليها المماليك الفارين من حكم محمد علي ومن مذبحة القلعة وقاموا بطرد الحامية البوسنية واحتلوا القلعة. أحوال الجزيرة وجزيرة ابريم بكل ما تحمل من كنوز أثرية وروايات تاريخية, والتي يمكن ان تكون محطة في رحلة سياحية اسطورية داخل بحيرة ناصر تنتهي بشاطئ أبو سمبل.. هذه الجزيرة التحفة المصرية تتعرض الآن للغرق بعد ان نسيناها تماما. يشرح لي رئيس آثار النوبة الضربات التي تتعرض لها الجزيرة الممثلة في ارتفاع منسوب مياه البحيرة, مما ادي الي تدمير60% من الجزيرة في عام1970 الذي شهدت فيه البحيرة فيضانا مجنونا.. كما ان الرياح الشمالية اسفل الجرف سوف تسبب انهيار الاجزاء المتاخمة وانهيار معظم المباني الاثرية.. كما ان البوديوم( المرسي الوحيد بالجزيرة) بدأت تتساقط أحجاره مما يهدد بسقوطه في القريب.. كما ان الكاتدرائية وصل منسوب المياه الي أساساتها وقد أثر بشكل واضح بظهور شروخ في جدرانها وتهديدها بالدمار. * ولأن الجزيرة الاثرية الغامضة يمكن كما قلنا أن تضيع مع مجموعة الجزر الاثرية الموجودة في البحيرة فإن السؤال القومي الآن: كيف يمكن إنقاذ جزيرة ابريم قبل ان تبتلعها مياه البحيرة العملاقة؟ ويجب مدير عام آثار أسوان والنوبة انه يجب استدعاء النداء مرة أخري لتضافر التعاون بين المجلس الاعلي للآثار ومنظمة اليونسكو.. وإذا كانت اليونسكو قد ساهمت بقدر كبير في انقاذ آثار النوبة.. فإن جزيرة ابريم هي آخر ما تبقي من آثار النوبة وتتعرض الآن للغرق.. ويمكن أن تكون محل اهتمام هيئة اليونسكو التي أرسلت بالفعل عام2005 بعثة لإعداد تقرير عن هذه الجزيرة.. أين اليونسكو * ويأتي التساؤل: ماذا قالت بعثة اليونسكو عن محاولات إنقاذ الجزيرة؟ لقد طالب اعضاء البعثة بضرورة وجود مصدات عائمة تحيط بالجزيرة وترتكز علي أثقال ملقاة في البحيرة والبدء فورا في إنقاذ المرسي في أثناء انحصار البحيرة في شهر أغسطس قبل الفيضان.. واستكمال أعمال الحفائر والتسجيل.. وحماية الكاتدرائية واعمال الترميم.. وقام الجانب المصري كما يؤكد لي مدير آثار النوبة باقتراح ترميم وإصلاح( المركب أيموحتب) الموجودة حاليا في عمدا قريبا من الجزيرة والذي كان مستخدما في أثناء إنقاذ آثار النوبة ليكون مسكنا لبعثة أعمال الحفائر الجارية الآن في الجزيرة إذ أن الظروف الصعبة التي تعمل فيها البعثة الآن لا تتيح الفرصة للبقاء فترات طويلة فوق الجزيرة لصعوبة الوصول اليها وقسوة الطبيعة فيها.. والي جانب ذلك ان يتقدم المجلس الاعلي للآثار بمشروع آخر لتركيب المقامير الاربعة الملقاة الآن في مخازن وادي السبوع رغم انه أعدت اماكنها بالفعل في وادي السبوع كمغارات لتركيب المقامير بداخلها إلا أن الحظ لم يصيبها حتي الآن بعد ان نسيتها هيئة الآثار. * ويبقي السؤال القومي المهم: هل تتحرك هيئة الآثار المصرية لإصدار نداء جديد لجذب هيئة اليونسكو للمشاركة في إنقاذ جزيرة قصر أبريم قبل ان تبتلعها مياه بحيرة ناصر في اقصي جنوب مصر؟