مازالت الأممالمتحدة تتذكر الدور البارز الذى لعبه المرحوم الدكتور بطرس غالى من خلال انجازاته وإسهاماته فى أعمال الأممالمتحدة، سواء إبان توليه منصب الأمين العام للمنظمة العالمية أو عضويته فى لجنة الأممالمتحدة للقانون الدولي. فقد كان الفقيد عضوا فى تلك اللجنة المعنية بتقنين القانون الدولى وتطويره خلال الفترة من 1979 إلى 1991، حيث شارك مشاركة إيجابية فى أعمالها، مساهماً فى صياغة قواعد قانونية للقضايا الدولية المطروحة على اللجنة كمسئولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دوليا، وقانون استخدام المجارى المائية فى الأغراض غير الملاحية، ومشروع مدونة الجرائم المخلة بسلم الإنسانية وأمنها، والعلاقات بين الدول والمنظمات الدولية الخ... وتقديرا لدور بطرس غالى فى أعمال اللجنة وأنشطة الأممالمتحدة عامة، فقد قررت اللجنة خلال دورتها الثامنة والستين المنعقدة فى المقر الأوروبى للأمم المتحدة أخيرا عقد جلسة خاصة، بناء على اقتراحنا، لتأبين المرحوم والإشادة بانجازاته. وتحدثت فى بداية الجلسة معرباً عن شكرى وتقديرى للأعضاء لتنظيم هذا اللقاء تقديراً لشخصية مصرية بارزة متعددة المواهب حيث عمل الفقيد أستاذا جامعيا وكاتبا صحفيا بارزا ودبلوماسيا مرموقا وعضوا نشطا فى لجنة القانون الدولى وأول أمين عام عربى وإفريقى للأمم المتحدة فيما بين 1991 و1996 ثم أمينا عاما لمنظمة الفرانكفونية فيما بين 1997 و2002. وفى مختلف تلك المراحل من حياته كان عطاؤه سخيا ومتميزاً . وخلال الحوار الذى دار بين أعضاء اللجنة عقب ذلك اتفق الجميع على أن بطرس غالى لعب دورا مهما فى مجال الدبلوماسية المصرية كوزير دولة للشئون الخارجية حينما أسهم فى جهود السلام فى الشرق الأوسط وفى مساندة كفاح الشعوب الإفريقية ودعم حركة عدم الانحياز. كما تمسك خلال توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة بتطبيق مبادئ ميثاق الأممالمتحدة على كل الدول دون تمييز، واحترام استقلالية منصب الأمين العام ومواقفه الحيادية، وقدم مبادرات دولية مهمة كتقريره حول أجندة السلام وتقريره حول أجندة التنمية وتقريره حول أجندة الديمقراطية، وإنشاء أول محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمى حرب يوغسلافيا، ثم أكد خلال ترؤسه المجلس المصرى لحقوق الإنسان تمسكه باحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية ودعمه لجميع مواثيق حقوق الإنسان سواء العربية أو الإفريقية أو الدولية . وفى سياق هذا الحوار أعرب العديد من الأعضاء عن تقديرهم البالغ لبطرس غالى وإنجازاته الوطنية والدولية. فذكر السفير هوانج المستشار القانونى السابق لوزارة الخارجية الصينية أن بلاده فقدت صديقا حميما حيث زار الفقيد الصين الشعبية أكثر من عشرين مرة مما دعاها إلى منحه وساما رفيعا قبل وفاته حينما زار الرئيس الصينى مصر فى يناير 2016، وذلك تقديرا لإسهامه فى تعزيز الصداقة العربية الصينية وحماية حقوق الدول النامية ومصالحها وإقامة عالم أكثر عدالة. وذكر البروفسور فورتو الأستاذ الفرنسى بجامعة السوربون أن بطرس غالى كان يؤمن بأهمية تعدد الثقافات واللغات بما فى ذلك الثقافة واللغة الفرنسية التى سعى إلى نشرها حينما تولى منصب أول أمين عام للمنظمة الدولية للفرانكوفونية فى الفترة من 1997 إلى 2002. وأضاف أن مضمون التقرير الذى وضعه خلال فترة توليه الأمانة العامة للأمم المتحدة حول أجندة السلام قد أسهم فى إرساء قواعد تحقيق وحفظ السلام فى العالم . وأشاد السفير الاندونيسي ويزنمرتى الذى كان يترأس مجلس الأمن خلال السنة الاخيرة لولاية بطرس غالى، بما كان يتمتع به الأخير من صفات عديدة وخاصة استقلاليته وشجاعته وتصميمه فى مواجهة الأزمات الخطيرة التى كانت مطروحة على الأممالمتحدة فى فترة التسعينيات. وذكر البروفسور مورازى الأستاذ اليابانى العضو بأكاديمية لاهاى للقانون الدولى أن بطرس غالى قد أسهم مساهمة كبيرة فى أعمال لجنة القانون الدولى من خلال أبحاثه وتحليلاته ومفاهيمه، كما أن حرصه على تولى رئاسة أكاديمية لاهاى للقانون الدولى عام 2002 حتى وفاته لدليل على إيمانه بدور القانون الدولى وأهمية تدريسه ونشره بين طلاب مختلف دول العالم . أما القاضى السلوفينى بتريس رئيس المحكمة الدستورية فى سلوفينيا، فقد أشار إلى دور مصر فى إنشاء حركة عدم الانحياز مع كل من يوغسلافيا والهند، مشيدا بما قام به بطرس غالى من مساندة للحركة ودعمها وتسوية الخلافات بين أعضائها، كما تطرق إلى سعى الأمين العام السابق إلى حفظ السلام فى ربوع يوغسلافيا السابقة ثم قيامه بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لجرائم يوغسلافيا التى مهدت لإقامة المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى. وأعرب البروفسور الكولمبى أوسبينا المحامى الدولى أمام محكمة العدل الدولية عن تقديره لما بذله بطرس غالى من جهود خلال توليه منصب وزير الدولة للشئون الخارجية لإقامة حوار أفريقى لاتينى لبناء وتعزيز العلاقات بين الدول العربية والإفريقية من جهة واللاتينية من جهة أخرى، ثم دوره كأمين عام للأمم المتحدة في تسوية العديد من الأزمات فى أمريكا اللاتينية . هذا وقد أعرب جميع أعضاء المجموعة الإفريقية فى اللجنة عن فخرهم واعتزازهم بتولى بطرس غالى منصب الأمين العام للأمم المتحدة كممثل للقارة الإفريقية، وأشادوا بإسهاماته فى مساندة القضايا الإفريقية، وحل العديد من الأزمات الإفريقية، ودوره فى حماية حقوق الانسان الإفريقي وحرياته الأساسية، وسعيه إلى التقريب بين الأديان والحضارات، فضلا عن دفاعه فى إطار لجنة القانون الدولى عن مصالح وتطلعات الدول الأفريقية. فقد كان الفقيد يؤمن بأهمية مشاركة الدول الإفريقية والنامية عامة فى أعمال اللجنة حتى تعكس القواعد القانونية والمعاهدات مواقف تلك الدول ومفاهيمها خاصة أن تقنين القانون الدولى كان فى الماضى حكرا على الدول الأوروبية مما عكس مصالحها الذاتية . تلك هى الشهادة التى أدلى بها نخبة من القانونيين الدوليين الذين التقوا ببطرس غالى خلال عمله فى الأممالمتحدة وتعرفوا على أعماله وإنجازاته فتحدثوا عنه بكل إنصاف وموضوعية. والحقيقة أن شهادتهم تعبر أيضا عن تقديرهم لمصر التى ينتمى إليها الفقيد ومثلها فى أعلى المناصب الدولية بكفاءة وإخلاص . لمزيد من مقالات د. حسين حسونة;