مفاوضات مع الموتة. تأملات كاتب حول الكتابة. كتاب مهم. كتبته الكاتبة الكندية: مارجريت أتوود. ترجمته وقدمت له عزة مازن. ونشره المشروع القومى للترجمة بوزارة الثقافة. ويُعد من الكتب المتقدمة لأنه يحمل مسلسل 891 فى كتب المشروع التى تعدت الألفين. وصاحبة الكتاب روائية كندية معروفة. والروائى عندما يكتب حول كتابته. فإن ما يكتبه يصبح شهادة مهمة للقارئ العادى وأيضاً للأجيال الجديدة من كُتّاب الرواية والقصة. فرسان السرد فى الزمان القادم. فالروائى عندما يكتب عن آليات كتابته. فهو يقدم خبرته وإدراكه لفن الرواية المراوغ الذى لا يعطى نفسه بسهولة إلا لكل صاحب موهبة حقيقية. تكتب الكاتبة عن كتابها: - أنه كتاب عن الكتابة، مع أنه ليس عن كيفية الكتابة. وهو أيضاً ليس عن كتابة شخص بعينه أو عصر محدد أو بلد دون آخر. إنه عن الموقف الذى يجد الكاتب نفسه فيه، والذى قلما يختلف من كاتب إلى آخر. وما هى الكتابة، هل هى نشاط إنساني، أم أنها تكليف إلهي. أم هى مهنة أم عمل مضجر نؤديه من أجل المال، أو لعلها فن، ولماذا يشعر كثير من الناس أنهم مجبرون على أدائها؟ وكيف تختلف الكتابة عن الرسم. أو التأليف الموسيقى أو الغناء أو الرقص أو التمثيل؟ وكيف ينظر من يقومون بذلك العمل إلى أنفسهم ونشاطهم من حيث العلاقة معها؟ وهل تبعث آراؤهم بعض الرضا؟ وهل يتغير مفهوم الكاتب من حيث هو كاتب، كما يفسره الكتاب، على مدى الزمن؟. فلقد رسخت أتوود مكانتها الأدبية كروائية وكاتبة للقصة القصيرة وشاعرة، وناقدة أدبية، بالإضافة إلى إسهاماتها فى الكتابة للأطفال ووصلت أعمالها، منذ بدأت النشر عام 1961، إلى أكثر من ثلاثين كتاباً، ترجم كثير منها إلى أكثر من 35 لغة عالمية، كما أدرجت ضمن مناهج دراسة الأدب فى المدارس والجامعات. من أجمل ما فى هذا الكتاب الاستشهادات التى تأتى بها الكاتبة لكتاب آخرين. وهى حالة نادرة بين الكُتاب. فمن حكايات الإخوة بريم:- بينما كانوا جميعا يلتفون حول المائة، اقترح أحد الضيوف أن يحكى كل منهم حكاية، فقال العريس لعروسه: «هيا يا عزيزتي» ألا تعرفين شيئاً تحكيه لنا كما يحكى الآخرون؟ قالت العروس: «سأروى لكم حلماً».ومن حكايات كانتربيري: - أروى كل الحكايات، أفضلها وأسوؤها، لو أختلق بعضها من عندي، فعندما لا تعجبك إحداها، اقلب الصفحة واختر حكاية أخري. وتستشهد بما كتبته الكاتبة الفرنسية مارجريت دوراس: - عندما يشرع الكاتب فى الكتابة، يشعر بنفسه وحيداً تماماً فى قاع حفرة، ويكتشف أن الكتابة وحدها سبيل الإنقاذ. فأن يخلو ذهنك من أدنى موضوع لكتاب، أو أدنى فكرة لكتاب، يعنى أن تصبح بصدد كتاب، فتجد نفسك أمام فراغ شاسع الامتداد، كتاب محتمل الإنجاز وترى أمامك شيئاً غير محدد المعالم، شيئاً كالحياة، كتابة عارية وكأنك أمام شيء مرعب لا يسعك التغلب عليه. أما صاحبة الكتاب، فتكتب:- يشترك كثير مما جاء فى وصف عملية الكتابة بأنها عملية لا تخلو من العقبات والغموض والخواء وضلال السبيل والظلام وظهور ضوء كالشفق، يصحبها جميعاً صراع أو طريق أو رحلة، فقد يعجز المرء عن رؤية الطريق أمامه، ولكن ينتابه شعور بأن أمامه طريق، وأن التقدم فى هذا الطريق إلى الأمام يسفر عن حالات من الرؤية وقد ذكرنى ذلك بما سمعته من طالب طب منذ أربعين عاماً يصف ما بداخل الجسد الإنسانى بقوله: «يعم الظلام بالداخل».ومن المرجح إذن أن الكتابة تتعلق بالظلام، وبالرغبة فى الدخول فيه أو الاضطرار إلى ذلك، وإضاءته، إذا حالفنا الحظ، ثم إعادة تسليط الضوء على كل شيء. يدور هذا الكتاب حول ذلك الظلام وتلك الرغبة. وتأخذ استشهادا من معاصرتها أليس مونرو، الحاصلة على نوبل أخيرا: - يبدو أنه لا بد من أن أكون كاتبة وقارئة فى الوقت ذاته، فاشتريت كراسة مدرسية وحاولت الكتابة، بل كتبت بالفعل، وبدأت أخط فوق الصفحات بثقة وعزم، ثم نضبت الكلمات فاضطررت أن أمزق الصفحات وأرميها فى عقاب صارم لها وألقيها فى سلة المهملات، فعلت ذلك مراراً حتى لم يتبق من كراستى سوى الغلاف، فاشتريت كراسة أخرى وبدأت العملية كلها من جديد، نفس الدورة إثارة وإحباط، إثارة وإحباط. الكتابة: إنها العذاب والمتعة. لمزيد من مقالات يوسف القعيد