الفشل: اما أن يكون أفضل معلم.. أو أسوأ عدو في الحب والحرب. كما في السياسة والبيزنس حكايات بلا حصر عن انتصارات صعبة وهزائم أكثر صعوبة. وسواء كنت تتحدث عن مباريات كأس أوروبا لكرة القدم أو امتحانات الثانوية العامة أو حتي انتخابات الرئاسة التي تبدأ جولتها الأخيرة بعد ساعات, هناك بالضرورة في نهاية المطاف رابحون وخاسرون في أي جدل أو مواجهة أو اختبار...هذه هي طبيعة الأشياء وأحكام قانون الحياة حتي لو لم تعجبنا. لكن المشكلة تبدأ عندما يرفض المهزوم احترام قرار المحكمة أو نتيجة صندوق الانتخابات أو صفارة الحكم أو جرس البورصة وكأن التسليم بالفشل عيب وعار. والأسوأ أن بين الخاسرين من يلجأ الي التبرير أو الإنكار أو تجميل الهزيمة فإما أنها لم تحدث من الأساس أو أن الأمور ليست بهذا السوء أو أنه ضحية ظلم و تلاعب وتزوير ومؤامرات وتحالفات اعداء. بإختصار الفشل معلق دائما في أعناق الأخرين وهم بالتأكيد السبب فيما يحدث لمن يخسروليس أبدا هو ولاتقصيره أو أخفاقه. شيء من هذا جري عندنا هنا في مصر مع اختلاف التفاصيل والدوافع بعد الجولة الأولي للسباق الرئاسي التي كان مطلوبا فيها من50 مليون ناخب اختيارواحد من بين13 مرشحا. واحد فقط كان مكتوبا له أن يكسب بينما يفسح له الباقون الطريق ويهنئونه.. أو هكذا يفترض.غير انه مع انتهاء الجولة بلا حسم وبتقدم اثنين فقط وخروج11 كان مدهشا ان ينسب الي ثلاثة ممن خسروا, أنهم يدعون الي تشكيل مجلس رئاسي أو حتي ابطال ما انتهت اليه المرحلة الأولي وكأنهم يطالبون بتغيير قواعد اللعبة في منتصف المباراة برغم أنهم قبلوها بلا نقاش كثير عندما قرروا خوض السباق. في عالمنا العربي/الثالث- ربما أكثر من غيره- تتكرر هذه الظاهرة بلا حساب وبلا تأمل كاف لطريقتنا في التعامل مع النجاح والفشل في حياتنا دون أن نطرح الأسئلة الواجبة عما يجعلنا نتراجع بينما يتقدم الاخرون.. من هنا نفهم مثلا لماذا نجرخلفنا تاريخا متخما بمواجهات لم ننتصرفيها وكوارث لم نعترف بها ربما حتي بيننا وبين انفسنا- لكننا في العلن جملناها وقلبناها الي انتصارات لكي لا نغضب الجماهير أونعكر مزاج القادة. لهذا أيضا يضيع أكثرنا عمره في تصديق ما نكذب به علي أنفسنا وفي السكوت علي نقائصنا بدفن الرؤوس في الرمال المتوافرة بكثرة مرعبة من حولنا! والقائمة بعد ذلك حافلة بتجارب مؤلمة لعشاق طال عذابهم لأن كبرياءهم أوعنادهم أعمي قلوبهم فلم يصدقوا أن قصص حبهم انتهت للأبد أوماتت.. و الأمثلة كتيرة لسياسيين خاسرين قرروا ألا يعترفوا بأنهم كذلك وبعضهم دخل في مواجهة حتي الموت لكي لا يسمح لخصومه بأن ينتزعوا منه عرشه.القذافي فعلها وأنهي حياته مطاردا وذبيحا بأيدي نفس الجرذان الذين كان يتوعدهم بأنه باق إلي مالا نهاية. ثم هناك أفريقيا, آخر قارة تسمح بدخول الديمقراطية علي مضض, ولهذا لا تزال تستيقظ بين شهر وآخر علي انقلابات عسكرية وحروب أهلية وصراعات عمياء علي السلطة لأسباب عبثية من النوع نفسه.... وتأملوا في المقابل مافعله الرئيس الفرنسي السابق الآن- نيكولا ساركوزي الشهر الماضي عندما فهم أنه لم يفز بثقة شعبه. فورا أحني رأسه بشجاعة أمام الخيار الديمقراطي للناخبين وقال إنه يحترم النتيجة ويتحمل المسئولية كاملة عن الهزيمة. وطبعا لم ينس أن يهنيء أولاند خصمه الاشتراكي الفائز والرئيس الجديد للبلاد داعيا الجميع للوقوف خلفه! عندهم أيضا في الغرب القاسي, والمتقدم, الذي نأخذ عليه انحيازه ومعاييره المزدوجة لا أحد يكابر عندما تأتي لحظة الهزيمة. وهناك يقدم الجنرالات استقالاتهم اذا خسروا معاركهم. في اليابان يمضي الوزراء خطوة أبعد في تحمل المسئولية وينتحرون اذا انقلب قطار أو انفجر مصنع( الاستثناء الوحيد ربما في ملاعب الكرة عندما يعمي التعصب أنصار هذا الفريق أو ذاك فيحطموا المدرجات أو يشعلوا النار في الشوارع). لكن القاعدة الثابتة هي أن الصراع مهما كان ضاريا يتوقف تماما في الثانية التي تنطلق فيها صافرة النهاية ولا أحد يحاول تسجيل نقاط أو أهداف بعد انتهاء اللعب او يطالب بعدم احتساب النتيجة اصلا. هناك اذن تقاليد حتي للهزيمة: المهزوم لا يجب أن ينسف كل الجسور مع خصومه عملا بحكمة قديمة تدعونا إلي ألا نبصق في البئر فربما نحتاج إلي أن نشرب منه فيما بعد. جون ماكين الذي خسر الانتخابات الأمريكية أمام باراك أوباما في2008 قال في خطاب الاقرار بالهزيمة بعد أن شكر أنصاره أن أوباما كان خصمه في المعركة لكنه من الآن فصاعدا سيصبح رئيسه وبالقدر نفسه فإن المنتصر مطالب بألا يسكره الفوز أو يفقده اتزانه مهما كان انتصاره ساحقا, وبأن يكون كريما إلي أقصي مدي مع غريمه الذي سقط للتو فلا ينزلق إلي إهانته أومعايرته وينسي ولو للحظة أنه لو دامت لغيرك ما وصلت إليك. وربما يكون مفيدا لنا جميعا هنا وفي أي مكان بعد أن يهدأ غبار أي منافسة نخوضها أن نظل نذكر أنفسنا بسنة الحياة التي ظلت صامدة عبر العصور: لا أحد يفوز دائما أو يخسر دائما. ولابد أنه سيمر وقت طويل قبل أن نتغير فعلا ونجرب ثقافة مختلفة في التعامل مع خسائرنا بما يجعلنا ندرك أن الخطوة الأولي للنجاح تبدأ من اللحظة التي نواجه فيها أنفسنا بعيوبنا كما هي وبلا مساحيق تجميل, وبالاعتراف بأن الخسارة أي خسارة- ليست أبدا آخر الدنيا ولا يجب أن تكون. وبأن نسلم بنضج بان خصمنا أستحق الفوز بحق لأنه كان أسرع منا أو أذكي أو أقوي أو أمهر أو أفضل. ساعتها سنكون قد تعلمنا الدرس الذي يضمن لنا أن نحول أي هزائم إلي انتصار.. من أقصر طريق وبأقل قدر من الخسائر. [email protected] المزيد من مقالات عاصم القرش