أكتب إليك بعد أن ضاقت بي السبل ولم أجد أحدا أصرح له بما في نفسي من أقارب أو معارف لعلي أجد عندك كلاما طيبا تهدأ به نفسي ونصيحة صائبة تنقذ بها بيتي وحياتي الزوجية من الانهيار. فأنا رجل أبلغ من العمر تسعة وأربعين عاما نشأت في أسرة مكونة من أب وأم وأخ يصغرني بأربع سنوات. وكان أبي موظفا مكافحا ارتقي سلم الوظائف الحكومية حتي خرج إلي المعاش بدرجة وكيل وزارة وبذل كل جهده لتربيتنا وتعليمنا في مدارس لغات وتخرجنا في إحدي كليات القمة وعملنا في شركات مرموقة نتيجة رضاء أبي وأمي عنا, وتزوجت منذ أربعة وعشرين عاما من ابنة عمي التي تصغرني بستة أشهر فقط ورزقنا الله بثلاثة أبناء بعد ست سنوات من الزواج, وانشغلنا بالأطراف الجدد في حياتنا بدون أن يؤثر ذلك علي سعادتنا الأسرية ولا ارتباطنا العاطفي. وسافرت للعمل في الخارج بعد سبعة عشر عاما من زواجنا وتركت زوجتي وأولادي لارتباطهم بالمدارس لمدة ثلاث سنوات وكنت أعود إليهم كل أربعة أشهر واستمررت علي ذلك خمسة عشر عاما ثم قررت العودة نهائيا بعد دخول ابني الكبير المرحلة الاعدادية وزيادة المسئولية علي زوجتي وظلت حياتنا طبيعية ولم نواجه مشكلات تذكر أو ذات تأثير ضار علي الأسرة.وبعد أن استقررت في مصر من جديد لاحظت اعتداد زوجتي برأيها واتساع دائرة معارفها وصديقاتها وبالتالي وفود ثقافات جديدة وآراء عديدة في حياتنا ووقعت مشكلات كثيرة بيننا وكانت النتيجة انني فقدت مكانتي عند زوجتي ولم يعد رأيي هو الرأي الأوحد في البيت! لقد تعودت يا سيدي طوال حياتي وحتي قبل زواجي أن أكون دائما مرجعا للآخرين وذلك لما تميزت به منذ بداية شبابي بحكمة الرأي ورجاحة الفكر بالاضافة لما اتسم به من شهامة وجدية في قضاء حوائج كل أفراد العائلة وبالتالي كنت محط أنظار واعجاب العائلة كلها. وعندما تزوجت كانت زوجتي تعلم هذه المكانة وكنت بالنسبة لها كل شيء طوال عشرين عاما قبل أن أعود من سفري لأدفع ثمن الغربة بتغيرها تماما. وزحفت إلي حياتنا مشكلات عديدة منها اسلوب تربية الأولاد, وعدم اقتناع زوجتي برأيي ورفضها وجهة نظري في بعض الأمور بالاضافة للصعوبة البالغة التي أواجهها عندما أذهب لمصالحتها فهي من فرط اعتدادها بنفسها أصبحت لا تكتفي بأن أعتذر لها عن أي تجاوز ولو كان بسيطا من جانبي بل يجب أن أقف أمامها مثل التلميذ وتبدأ في تأنيبي لماذا قلت كذا ولماذا لم تقل كذا وكان يجب عليك فعل كذا وعندما أقول لها إن تصرفي أو رد فعلي في هذا الموقف ناتج عن فكري ورأيي وتقييمي للأمر تتهمني بالدكتاتورية وعدم قبولي أي نقد! لقد وصلت إلي مرحلة عدم الرغبة في العودة للمنزل وأبحث دائما عن أي مكان أذهب إليه بعد العمل لتجنب لقاء زوجتي بل انني أفكر في زوجة ثانية أقضي معها بعض الوقت لكي لا أعود إلي المنزل.. ولولا أولادي لانهار هذا البيت ولكني أتحمل كل هذه المعاناة من أجل أن أراهم كل يوم واستمتع بوجودي معهم. واني أسألك: هل أكون مخطئا عندما أطالبها بالأخذ بنصيحة الصحابية الجليلة التي نصحت ابنتها قبل زفافها بعشر نصائح أهمها كوني له أرضا يكن لك سماء وما تحويه من أسس متينة للعلاقة الزوجية تضع علي كاهل الزوجة عبئا ثقيلا في المحافظة علي زوجها في تمهيد الحياة له وبالتالي لابد أن يكون رد فعله معها هو أن يبسط لها الظل والرعاية والحنان؟. ثم ألا يجب أن تكون الزوجة أكثر سهولة ومرونة وتسامحا وحلما من الرجل؟.. أن هذا ما رأيته في أمي من حلم وصبر وطاعة لأبي ولكني للأسف لا أراه في زوجتي.. وهذا هو السبب الرئيسي في الصدام بيننا. انك قد تحكم علي بالدكتاتورية ولن أنكر هذه التهمة ولكنني مثل أي رجل شرقي يرجو من زوجته الطاعة مادامت في غير معصية الله وفي حدود المعاملة الحسنة. فهل أنا مخطيء؟ {{.. وأقول لكاتب هذه الرسالة: الخطأ الكبير الذي يمكن أن تقع فيه هو أن تفكر في الارتباط بزوجة ثانية لمجرد وجود سوء تفاهم مع زوجتك في بعض الأمور وتمسكها برأيها علي حد تعبيرك, فمثل هذه الأمور يمكن التغلب عليها بشيء من العقل والحكمة, فلا يوجد إنسان كامل الأوصاف في كل شيء.. لا زوج ولا زوجة والواجب دائما هو أن نحاول رأب الصدع الذي قد يصيب علاقة الزوجين بالصفح والعفو, وغض الطرف أحيانا عن بعض الأمور البسيطة التي لا تؤثر علي بنيان الحياة الزوجية. وإذا كنت أطالبك بالتغاضي عن بعض هفوات زوجتك, فإنني أذكرها بوجوب طاعة الزوج امتثالا لما أمرنا به الله سبحانه وتعالي. ولنا عبرة في قصة السيدة التي كان أبوها يعاني سكرات الموت, لكنها لم تتمكن من زيارته لأنها لم تأخذ إذنا من زوجها, ومات الرجل دون أن تراه, وعندما علم رسول الله صلي الله عليه وسلم بذلك, قال: لقد غفر الله لأبيها بسبب طاعتها زوجها.. إلي هذه الدرجة تكون طاعة الزوج واجبة.. وهذا أبدا لا يقلل من شأن الزوجة, وليس معناه أن تنقاد عمال علي بطال لما يقوله وانما المعني هو أن تتسع دائرة المناقشات بينهما, وأن يقدر كل منهما الآخر ويشد من أزره, فيقوي رباط الحياة الزوجية وتمضي الحياة هادئة مستقرة بالتعاون والحب ونكران الذات.