د. همام حمودي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان العراقي ورئيس لجنة كتابة وصياغة ومراجعة الدستور, يعتبر واحدا من أبرز علماء الشيعة وأكثر ساسة العراق عقلانية وانفتاحا. فالرجل لم يكتف بدراسة الفقه والأصول والفلسفة في جامعة بغداد, فذهب إلي الغرب ليترجم أحلامه إلي معارف وعلوم وأبحاث, ليحصل علي الدكتوراه في أطروحة الاقتصاد الإسلامي من الجامعة الأمريكية في لندن, ليصبح واحدا من أهم المرجعيات العليا في النجف الأشرف والعراق و(الملقب بحمورابي العراق الجديد).. وكانت زيارته للقاهرة أخيرا والتي قابل خلالها الدكتور سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب وبعض أعضاء اللجنة التأسيسية لوضع الدستور فرصة لإجراء هذا الحوار: كيف تقرأ الوضع الراهن في مصر بعد أحداث ثورة25 يناير؟ { دعنا نتحدث أولا عن مصر الحضارة والتاريخ والأصالة فأرض الكنانة واحدة من أعرق وأقدم الحضارات التي عرفتها البشرية علي الإطلاق وهي البلد الذي ذكر في القرآن عدة مرات. لم يكن غريبا أن تكون ثورتها نموذجا يحتذي به وملهمة لكثير من شعوب العالم واستطاعت الثورة أن تلبي رغبات الجماهير وإصرارها علي إحداث تغيير جذري في المجتمع سواء في تغيير نظام الحكم والمطالبة بالديمقراطية السياسية ومحاربة الفساد وكل ذلك كان يتطلب هدم وتفكيك ما كان قائما.. والثورات فاجأت الجميع وأظهرت شريحة الشباب بأنها الطرف الأكثر فاعلية والأكثف تواصلا مع العالم جراء انتشار المعارف والعلوم وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي وهؤلاء الشباب هم الأشد تشبثا بدوافع وشعارات الحرية والكرامة. لكن الثورة في مصر لم تبلغ مداها ولم تحقق جميع أهدافها.. كيف تري التحديات القائمة؟ { مصر تعيش مرحلة انتقالية مفصلية بالغة الخطورة. نعم قد يكون الوضع محتقنا والتحديات جسيمة وأولها هو الانفلات الأمني وهو من أسوأ وأخطر النتائج السلبية للثورة لأنه يعني ببساطة عدم الاستقرار والأمان ويترتب عليه أشياء سلبية كثيرة تكون مدخلا للفوضي والترهل, والتحدي الآخر هو مواجهة بقايا وفلول النظام السابق الذي يحاول جاهدا عرقلة مشروع الثورة, والتحدي الثالث هو مطالب الجماهير المستمرة التي يصعب تحقيقها وتنفيذها وتكون مصحوبة أيضا بالاضرابات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية والتي هي حقوق مشروعة لا جدال حول مشروعيتها كإحدي وسائل التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور والقانون للمواطنين. غير أن هذه المطالب قد تأتي في غير موعدها مما يصبح تحديا قائما للثورة وأيضا لا ننسي واحدا من أبرز التحديات وهو القوة الخارجية التي تري أن تغيير النظام قد يمس طبيعة العلاقات وأخشي أن تكون هناك أياد تعبث بالمشهد المصري وتريد عرقلة مسار الثورة.. نعم المرحلة تبدو معقدة وليست سهلة. لديكم تجربة مريرة في العراق تتعلق بالفراغ الأمني والعنف والصدامات التي دفعت بلادكم ثمنها دماء غزيرة.. كيف لمصر أن تعبر هذه الوضعية المؤلمة؟ { الوضع في مصر أفضل كثيرا من العراق حيث لايوجد تدخل أجنبي والدولة تملك أجهزتها, الجيش والأمن والقضاء, الواقع العراقي يختلف تماما عن مصر, فلم يكن لدينا مسلم ومسيحي فقط, لدينا الأكراد والتركمان والعرب والمسيحي والمسلم والشيعي والسني والزيدي الصابيء ومعظم هذه المكونات كانت مظلومة في العهد السابق, كان لدينا عقد من التميز الطائفي والعرقي وإقصاء كامل لكثير من مكونات المجتمع العراقي واحتقان ليس له مثيل وعندما حدث التغيير شابه الكثير من المشاكل. والحل في مصر هو التحرك المجتمعي الكامل وتعزيز هيبة الدولة بفرض القانون وتفعيل القضاء وتشجيع الشرطة لممارسة مهامها وحماية المواطن وليس النظام يجب أن تعود هيبة الدولة ولا يوجد تعارض بين هيبة الدولة والديمقراطية ولا بين القوة والعدل والقوة بدون العدل سلطان جائر والعدل بدون القوة سلطان جائر ولابد من الاستفادة من طاقة الجماهير والشباب وتشكيل لجان شعبية تتعاون وتحافظ علي نسيج الوحدة الاجتماعية. هل تعتقد أن شكل نظام الحكم الأمثل والأفضل يكون رئاسيا أم برلمانيا؟ { مصر في هذا التوقيت تحتاج إلي نظام برلماني هو الأمثل, وأثبتت علي مر التاريخ أنه الأفضل وتحتاج البلاد إلي ترسيخ في مفهوم الديمقراطية ولا نريد أن يكون الرئيس هو صاحب كل الصلاحيات وكل شيء يأتي من عنده وهو المحور والحكم والمرجعية والجميع يذهب إليه. نعم هناك طموحات.. ولكن هناك تحديات دستورية تواجه المجتمع المصري في المرحلة المقبلة. ولم نشرع حتي الآن في البناء.. كيف تري الطريق لوجود دستور جديد للبلاد؟ { الأوضاع في مصر حاليا لا تتحمل الدخول في خلافات بين القوي السياسية والوطنية المختلفة فيما بينها أو فيما يتصل بعلاقتها بالجيش حامي الثورة والأمر يتطلب عدم النظر إلي الوراء والتطلع إلي المستقبل بخطوات جادة تكفل بناء دولة حديثة تحترم حقوق الإنسان, وأن بناء هذه الدولة مرجعه بالضرورة إلي اعتماد دستور جديد للبلاد يرتكز علي مجموعة من المقومات الأساسية أهمها إقامة نظام ديمقراطي سليم, ونبذ الفساد وحماية حقوق الأفراد ودعم حرياتهم. مصر أمام لحظة فارقة.. والسؤال هو كيف يمكن إقامة التوازن بين استثمار الثورة في هدم ما كان فاسدا وضرورة بدء عملية إعادة البناء؟ والإجابة هناك تجارب ثورية ناجحة تم تخصيصها في أنحاء كثيرة من العالم وأبرزها جنوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية وإيران وشرق أوروبا وأسبانيا والبرتغال, نعم يمكن إيجاد مسارين لكن الأهم هو إعادة بناء الدولة والثقة في اقتصادها ومؤسساتها وهذه مسئولية الجميع. تدعون لإقامة دولة مدنية في حين أن الدستور يحض القوات المسلحة لعدم مراعاة المحاصصة وبذلك تسيرون في طريق الطائفية.. هل لديكم جيش قادر علي سد فراغ خروج القوات الأمريكية.؟. { نطالب بأن يكون الجيش العراقي ممثلا من جميع أبناء الشعب من دون ويخضع للسلطة الوطنية وقد تم دعوة العناصر السابقة من الجيش للدخول في الجيش العراقي الجديد وهي العناصر التي لم ترتكب أي أعمال إجرامية في ظل النظام السابق, ونشدد علي ضرورة بناء القوات المسلحة وهي الآن قادرة علي حفظ الأمن في البلاد, ونرفض بشكل قاطع وجود أي قوات أجنبية في العراق, ونطالب بتفعيل القرارات الدولية الخاصة بالعراق وليس سرا أن الشيعة أضيروا كثيرا من قوات الاحتلال. دعنا في النهاية نتحدث عن صياغة الدستور الذي أصبح نقطة خلافية في مصر, هناك مقولتان علي سبيل الافتراض الأولي تقول: اعط الشعب دستورا واضحا تعط قوانين أنظمة صالحة, والأخري تقول: اعط الشعب قوانين وبيئة صالحة تعط دستورا واضحا, لدينا مرحلة حرجة لكتابة الدستور وإجراء الانتخابات.. علي أي أرضية يمكن أن تتم؟ { لا يكفي أن يكون هناك دستور واضح وتجربة السماء مع الأرض تحتاج إلي إنسان صالح ذي إرادة وحريص علي هذا الدستور وهذه معادلة ذات شقين رسول وكتاب, وإذا كان الدستور واضحا والإرادة السياسية أريد لها القفز فوق الدستور وتحقيق مطالبها وهذا إجراء, وإذا لم يكن ذلك واضحا وحتي لو كان الدستور واضحا وكانت الإرادة السياسية متمزقة ومتضاربة ستقتل الدستور. إذا نحن أمام قضيتين دستور واضح وإرادة سياسية مجمعة جادة في تفعيل الدستور وبناء البلد.. ولنا في العراق تجربة حول الانتخابات حتي قلت أن هذه الانتخابات يجب أن تقيمها هيئة مستقلة ولم يفهم البعض ما معني هيئة مستقلة, فأوضحت معني الاستقلال وهو نموذج جديد يتطور مع ارتقاء النظام السياسي.