لصناعة برنامج مشترك.. وزير الأوقاف يزور الوزير الإندونيسي الجديد للشئون الدينية    علاوة سنوية للموظفين بمشروع قانون العمل.. تفاصيلها وموعد تطبيقها    «حياة كريمة»: افتتاح 100 منفذ ثابت لبيع اللحوم بأسعار مخفضة نهاية العام    أستاذ علوم سياسية: مصر طرحت قضايا هامة لم تكن على أجندة بريكس سابقا    «القاهرة الإخبارية»: الاحتلال يمنع المزارعين الفلسطينيين من قطف ثمار الزيتون    باحث سياسي: الاحتلال أرجع غزة عشرات السنوات للوراء    سيتخذ قرار تاريخي.. تفاصيل جلسة الخطيب مع لاعبي الأهلي قبل نهائي السوبر المصري | عاجل    إطلاق مبادرة "CHAMPS" لتعزيز أنظمة الوقاية للأطفال وحمايتهم من تعاطي المواد المخدرة    بحضور 31 عضوا من النيابة الإدارية.. اختتام دورة «آليات التحقيق والتصرف»    محافظ كفرالشيخ: تشغيل المخابز على مستوى المحافظة من الساعة ال5 صباحًا يوميًا    عمرو يوسف يواصل تصوير فيلم درويش    محافظ أسوان يتفقد مشروع إنشاء قصر الثقافة الجديد في أبو سمبل    من أمام الكعبة.. أحدث ظهور ل ولاء الشريف على إنستجرام    إعلام الاحتلال: نتنياهو وبلينكن يعقدان اجتماعا لا يزال مستمرا منذ ساعتين    صفة ملابس الإحرام للرجل والمرأة.. تعرف عليها    «الأعلى للجامعات»: التعليم الجيد أساس التنمية البشرية    وصول عدد من الخيول المشتركة فى بطولة مصر الدولية للفروسية    صور من كواليس مسلسل "وتر حساس" قبل عرضه على شاشة "ON"    خبير اقتصادى: وجود مصر فى مجموعة "بريكس" له مكاسب عديدة    صلاح البجيرمي يكتب: الشعب وانتصارات أكتوبر 73    حبس المتهمين في واقعة تزوير أعمال سحر ل مؤمن زكريا لمدة 3 سنوات    النائب العام يلتقي نظيره الإسباني لبحث التعاون المشترك    الدفاعات الجوية الأوكرانية تسقط 42 مسيرة روسية خلال الليلة الماضية    بعد تحريك أسعار البنزين.. هل أتوبيسات المدارس الخاصة تتجه للزيادة؟    طرق طبيعية للوقاية من الجلطات.. آمنة وغير مكلفة    غادة عبدالرحيم: الاستثمار في بناء الإنسان وتعزيز الابتكار أهم ما تناولته جلسات مؤتمر السكان    وزير التعليم العالي: بنك المعرفة ساهم في تقدم مصر 12 مركزًا على مؤشر «Scimago»    «سترة نجاة ذكية وإنذار مبكر بالكوارث».. طالبان بجامعة حلوان يتفوقان في مسابقة دبي    حبس سيدة تخلصت من طفلة بقتلها للانتقام من أسرتها في الغربية    رئيس القومي للطفولة والأمومة: 60%؜ من المصريات يتعرضن للختان    ذوي الهمم في عيون الجامع الأزهر.. حلقة جديدة من اللقاء الفقهي الأسبوعي    لهؤلاء الطلاب بالأزهر.. إعفاء من المصروفات الدراسية وبنود الخدمات - مستند    مقابل 3 ملايين جنيه.. أسرة الشوبكي تتصالح رسميا مع أحمد فتوح    وزيرة التضامن ب«المؤتمر العالمي للسكان»: لدينا برامج وسياسات قوية لرعاية كبار السن    رسالة غريبة تظهر للمستخدمين عند البحث عن اسم يحيى السنوار على «فيسبوك».. ما السر؟    الرعاية الصحية: انجاز 491 بروتوكولًا إكلينيكيًا ل الأمراض الأكثر شيوعًا    حقيقة الفيديو المتداول بشأن إمداد المدارس بتطعيمات فاسدة.. وزارة الصحة ترد    السجن المشدد 6 سنوات ل عامل يتاجر فى المخدرات بأسيوط    رئيس "نقل النواب" يستعرض مشروع قانون إنشاء ميناء جاف جديد بالعاشر من رمضان    رئيس لجنة الحكام يحسم الجدل.. هل هدف أوباما بمرمى الزمالك في السوبر كان صحيحيًا؟    منافس الأهلي - كريسبو: شباك العين تتلقى العديد من الأهداف لهذا السبب    الرئيس الإندونيسي يستقبل الأزهري ويشيد بالعلاقات التاريخية بين البلدين    الدوري السعودي يُغري روديجر مدافع ريال مدريد    إيجابية.. أول رد من مسئولي صندوق النقد الدولي بعد تصريحات الرئيس السيسي    برغم القانون الحلقة 28.. فشل مخطط ابنة أكرم لتسليم والدها إلى وليد    فيفي عبده تتصدر تريند جوجل بسبب فيديو دعم فلسطين ( شاهد )    رومانو يكشف عرض نابولي لتجديد عقد كفاراتسخيليا    رئيس الوزراء الباكستاني يوجه بإرسال مواد إغاثية فورًا إلى غزة ولبنان    مجلس النواب يوافق على تشكيل لجنة القيم بدور الانعقاد الخامس    أمين الفتوى: احذروا التدين الكمي أحد أسباب الإلحاد    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    انعقاد مجلس التعليم والطلاب بجامعة قناة السويس    إسرائيل تعلن القبض على أعضاء شبكة تجسس تعمل لصالح إيران    بعد إعلان التصالح .. ماذا ينتظر أحمد فتوح مع الزمالك؟    نائب وزير المالية: «الإطار الموازني متوسط المدى» أحد الإصلاحات الجادة فى إدارة المالية العامة    مواعيد صرف مرتبات أكتوبر، نوفمبر، وديسمبر 2024 لموظفي الجهاز الإداري للدولة    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشخصية المصرية

تقوم الشخصية المصرية على عدد من المرتكزات والأعمدة والأسس، التى أتاحت لها عبر التاريخ أن تصنع هذا الأثر التاريخى المجيد، وأن تبدع هذه المنتجات التى تتمثل فى عشرات من الأمور المذهلة، منها الهرم الأكبر والمعابد والمسلات، ومنها مدرسة السلطان حسن، ومنها انتصارات جيشها العظيم عبر ألوف من السنين، ومنها أزهرها الشريف الذى ظل عبر ألف سنة يخرج عشرات الألوف من الأئمة والعلماء ذوى الأثر الحميد فى إفريقيا وآسيا وغيرهما، ومنها قدرة هذا الإنسان على اجتياز الأزمات الطاحنة عبر التاريخ ليخرج منها أشد عودا ومقدرة، إلى غير ذلك من وجوه العبقرية المصرية التى ترجع بأكملها إلى احتفاظ هذا الوطن بسر معرفى دقيق ومتراكم فى صناعة الإنسان المصري، القادر على تشغيل أرض هذا الوطن، بما يصنع هذا الأثر.
والمتأمل بعمق فيما هو كامن وراء ذلك كله، يجد أن هذه الشخصية المصرية منسوجة ومتضافرة من عدد من الأسس والأعمدة، منها أنه إنسان قوي، لا ينهزم أمام الأزمات، ولا تنال منه مهما اشتدت، ويخرج من الأزمات الطاحنة قادرا على التجدد، واستمرار الحياة، وتدارك الأزمة، ولم يستسلم عبر تاريخه لأزمة مهما تفاقمت، والذى يراجع ما كتب مثلا عن الشدة المستنصرية وغيرها من الشدائد يرى ذلك، فهو إنسان قوي، قادر على التجدد، جرت العادة فيها ألا يموت تحت وطأة الأزمات، بل تتلاطم أمواجها ثم تنحسر عنه فإذا به عميق الجذور، ثابتا، باقيا.
ومن أعمدة شخصية الإنسان المصرى أيضا أنه واسع الأفق، غير متقوقع على نفسه، بل خرج منه جيل من وراء جيل وهو يرى الدنيا بأكملها تأتى إلى أرضه، وتجلس مجلس التلميذ من الأستاذ، فى جامعة القاهرة العريقة، أو فى الأزهر الشريف، أو من الحجاج العابرين على أرضه من خلال طريق الحج الإفريقي، أو طريق الحجاج المغاربة، أو أبناء الملايو وجنوب آسيا من القاصدين إلى أرض مصر للتزود من العلم والمعرفة، فتفتحت عين الإنسان المصرى واتسع وعيه بالتدريج ليدرك أن وطنه بالفعل أم الدنيا، ومعلم الدنيا، فصار إنسانا واسع الأفق، عظيم الطموح، مدركا لقيمة نفسه وأرض وطنه، مما يزيده مقدرة على اجتياز أزماته، وتشغيل ثروات وطنه ليكرم ضيوفه، إلى غير ذلك من المكونات الدقيقة التى صنعت فى الإنسان المصرى وعيا عاما بأن خاطره رحيب ومتسع، وأن آفاقه كمصرى ممتدة.
ومن أعمدة الشخصية المصرية أيضا الشغف العميق بالعمران والبناء والتشييد، منذ أن شيد الهرم الأكبر ونحو مائة هرم أصغر منه، مع الأبنية الهائلة، التى تشهد بتقدمه وسبقه فى العلوم الهندسية وفنون المعمار، مع ولعه بالبناء، انتهاء بالفلاح المصرى البسيط رقيق الحال الذى يظل على مدى سنوات يدخر، فإذا سألته قال: (حتى أبنى حتة بيت)، مما يدل على بقاء الشغف المتوارث بالعمران كامنا فى أعماق وجدان الإنسان المصري، فلا تستسيغ فطرته أبدا أن ينخرط فى الهدم ولا التدمير ولا الفساد.
ومن أعمدة الشخصية المصرية أيضا أن تدينه عبر تاريخه قاده إلى الحضارة، فهو ليس متدينا فقط، بل هو متدين تدينا يصنع الحضارة، فقد دفعه ولعه بالآخرة والعدالة الإلهية هناك ومنظوره الدينى فى عبادة الرب وتوحيده وتمجيده أن يبدع (كتاب الموتي) عند قدماء المصريين، وأن يشيد الأهرام والمعابد العجيبة الصنع، المحيرة فى أسرارها الهندسية، مع الإبداع الهندسى الذى يشيد به المعمارى العبقرى كريزويل فى كتابه عن (العمارة الإسلامية فى مصر) وهو مطبوع فى ثلاثة أجزاء بالإنجليزية، مما يكشف لنا عن أن تدين الإنسان المصرى عبر تاريخه قد تحول إلى حياة وعلم وإبداع ومؤسسات وأبنية وعمران وحضارة، وهكذا عاش فى أطواره الدينية المختلفة، من عهد الفراعنة، إلى عهده المسيحي، إلى عهده الإسلامي، حيث ظل يستلهم من تدينه فى كل طور صناعة الحضارة، والولع بالحياة وإكرام الحياة، مع التمهيد للحياة الأبدية فى الآخرة، بكل ما هو جميل ونافع، حتى يتكلم فى كتاب الموتى أن من ضمن ما يقدمه بين يدى الله من أسباب النجاة أنه لم يلوث ماء النيل.
والخلاصة أن هذه الشخصية المصرية العبقرية جديرة بكل اهتمام فى التنقيب عن مفاتيحها ومكوناتها، ومصانعها، لكى نستمر فى توريث أسرارها لأجيال، ولكى تبقى مصر قادرة على الاستمرار والتجدد والانطلاق، وتحيا مصر شامخة عزيزة مرفوعة الرأس بإنسانها العبقرى القوي.
لمزيد من مقالات د.أسامة السيد الأزهرى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.