عندما غنت المطربة نجاح سلام أغنيها الشهيرة "يا أحلى اسم في الوجود يا مصر" منحها الرئيس جمال عبد الناصر الجنسية المصرية تقديرا لفنها وحبها لمصر، بينما منح الرئيس الأسبق حسني مبارك الجنسية المصرية للفنان وديع الصافي عندما تغني بأغنيته العظيمة "عظيمة يا مصر" كما منح مبارك الجنسية للمايسترو الفنان سليم سحاب العاشق للفن والتراث الموسيقي والغنائي المصري فاعتبر ذلك التكريم البداية الحقيقية لتاريخه الفني، فمصر اعتادت أن تمنح جنسيتها لكل من قدم لها خدمات جليلة - لا مقابل وديعة مالية بالدولار – فقد حصل فنانون وشعراء عرب وأجانب على هذه الجنسية لعشقهم تراب مصر وشعبها فأحبهم المصريون ورحبوا بمصريتهم التي اشتهروا بها بعد ذلك رغم انهم من اصول غير مصرية ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر: بيرم التونسي، استيفان روستي، نجيب الريحاني، أنور وجدي، ماري منيب، زينات صدقي، عبد السلام النابلسي، فريد الأطرش، فايزة أحمد، داليدا، صباح، وردة وكان المخرج البكستاني محمد خان من الفنانين الذين حصلوا أخيرا على الجنسية المصرية بقرار رئاسي من الرئيس المؤقت عدلي منصور تقديرا لفنه وأفلامه التي أخرجها ورفع بها اسم مصر. لقد منحت مصر جنسيتها لهؤلاء الفنانين لحبهم وعشقهم لمصر وشعبها فتحققت لهم الشهرة ولم تمنحهم الجنسية نتيجة إيداعهم وديعة في البنوك بالدولار لخمس سنوات يجوز لهم بعدها طلب الحصول عليها، مثلما خرجت علينا الحكومة بعرض مشروع القانون الجاري حالياً مراجعته بقسم التشريع في مجلس الدولة. وإذا كان بعض نواب البرلمان قد تبنوا هذا المشروع والتعديلات التي ادخلت عليه واعتبروه ضرورة لجذب الاستثمارات الأجنبية وحلاً لأزمة نقص الدولار وأن هذه التعديلات سوف ترفع الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي وتعزز الهياكل المالية، فإنه عند ذكرهم بعض الدول التي تأخذ بنظام منح الجنسية للمستثمرين الأجانب ومن بينها كندا وأستراليا ومالطا والمجر، وقبرص مقابل مبالغ او ودائع مالية قد تناسوا أن هذه الدول تعاني قلة عدد السكان وترى في ذلك تشجيعاً للمستثمرين على الهجرة إليها، وأن ذلك لا يتناسب مع مصر وظروفها. وقد دفع ذلك الكثير من أعضاء مجلس النواب إلى طلب سرعة مناقشة تلك التعديلات خاصة ما يتعلق منها بمنح الجنسية المصرية للمستثمرين الأجانب مقابل مبلغ من المال كوديعة لمدة خمس سنوات لما له من تأثير سلبي على أمن مصر القومي حيث سيترتب على هذا التجنيس حقوقا لن تقدر عليها الحكومة فالمستثمر الأجنبي ليس في حاجة إلى الجنسية المصرية بقدر حاجته إلى ثورة في تشريعات الاستثمار وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير وتوفير العمالة اللازمة لمشروعاته. وإذا كان مشروع التعديلات الجديدة في ظاهرة هدفه حل الأزمة الاقتصادية ونقص الدولار فإنني أخشى أن الشيطان يسكن التفاصيل خاصة فيما يتعلق بمنح الجنسية مقابل مبلغ من الدولارات لأن ذلك قد يثير المخاوف من تغلغل هؤلاء المستثمرين الأجانب - بعد حصولهم على الجنسية- في مفاصل الدولة ومؤسساتها وما يترتب لهم من حقوق سياسية منها الترشح لانتخابات البرلمان والمجالس المحلية والوصول إلى المناصب والوظائف المهمة والتحاق أبنائهم بالجيش والشرطة وتملك الأراضي، كما يتخوف البعض من أن يكون الحصول على الجنسية مقابل المال بابا خلفيا لتسهيل عمليات غسيل الأموال التي يحرص مرتكبوها على الحصول على جنسيات دول أخرى لتبيض تلك الأموال واكسابها الشرعية فهل نقبل بذلك؟ وماذا لو كان بعض هؤلاء المستثمرين الأجانب يهودا يجيدون السيطرة بالمال على السياسة، أو كانوا من الخلايا النائمة للتنظيمات الإرهابية ذات الثراء الفاحش، أو أصحاب الجنسية الإسرائيلية أو جنسيات أخرى ممن يرغبون في الحصول على الجنسية المصرية لتنفيذ أغراضهم السياسية في مصر مثلما حدث أثناء حكم جماعة الإخوان عندما منحت الجنسية المصرية لعدد من كبير من قيادات وأعضاء حماس. لهذه الأسباب وغيرها أصبح من المفروض على الحكومة أن تطرح هذا الموضوع برمته وشروطه وتفاصيله على الحوار المجتمعي حتى لا يقال إن مصر تبيع جنسيتها بالمال. لمزيد من مقالات فرحات حسام الدين