قصر البارون إمبان، تحفة معمارية فريدة، شيده المليونير البلجيكى البارون ادوارد إمبان، والذى جاء إلى مصر من الهند فى نهاية القرن التاسع عشر بعد قليل من افتتاح قناة السويس،و عرض على الحكومة المصرية فكرة إنشاء حى فى الصحراء شرق القاهرة واختار له اسم «هليوبوليس» أى مدينة الشمس وحيث إن المنطقة كانت تفتقر إلى المرافق والمواصلات والخدمات، وحتى يستطيع البارون جذب الناس إلى ضاحيته الجديدة فكر فى إنشاء مترو، و كلف المهندس البلجيكى أندريه برشلو الذى كان يعمل فى ذلك الوقت مع شركة مترو باريس بإنشاء خط مترو يربط الحى أو المدينة الجديدة بالقاهرة، كما بدأ فى إقامة المنازل على الطراز البلجيكى الكلاسيكي، بالإضافة إلى مساحات كبيرة تضم الحدائق الرائعة، وبنى فندقاً ضخماً هو فندق هليوبوليس القديم (قصر الاتحادية حاليا). يقع القصر فى قلب منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، تحديداً فى شارع العروبة على الطريق الرئيسى المؤدى إلى مطار القاهرة الدولى ويشرف القصر أيضاً على شارع ابن بطوطة وابن جبير وحسن صادق. والقصر مغلق ومهجور منذ اكثر من أربعة عقود ولعل هذا وطرازه المعمارى غير المألوف جعل الناس تنسج حوله و حول عائلة البارون الكثير من الأساطير المرعبة و القصص الخيالية...و استهدفه شباب لإقامة حفلات صاخبة و غريبة انتهت بقضية جنائية شغلت الرأى العام المصرى فى عام 1997، وعرفت إعلاميا باسم قضية «عبدة الشياطين». الاهرام دخل القصر لمعرفة المزيد عنه وعن اساطيره، هذا القصر الذى اثار ومازال يثير الفضول والرهبة فى قلوب كل من يمر عليه...وعن مشروع اعادة تأهيل القصر والذى بدأته وزارة الآثار منذ عام وتطرحه خلال 4 اشهر للتنفيذ على الشركات المتخصصة. عندما تدخل القصر تستقبلك تماثيل الآلهة الهندية مثل «البوذا» عند المدخل الرئيسي، وتمثال كريشنا اله الحب والزواج، والإله برهما اله القوة ومزيل العقبات، حيث استلهم البارون ادوارد إمبان القصر من معبد «أنكور وات» فى كمبوديا ومعابد أوريسا الهندوسية، القصر صممه المعمارى الفرنسى ألكساندر مارسيل Alexandre Marcel، وزخرفه جورج لويس كلودGeorges Louis Claude، واكتمل بناؤه عام 1911. صاحب الاهرام فى جولته داخل القصر محمد عبدالعزيز المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية، الذى حدثنا عن مشروع اعادة تأهيل القصر، فقال انه فى 18 اغسطس من العام الماضى قام المكتب الاستشارى (مصر للاستشارات) بإعداد الدراسات الاستشارية الخاصة بقصر البارون بدون أى أتعاب كإهداء إلى وزارة الآثار، وبدأ المشروع فى اغسطس العام الماضي، واضاف انه تم ايضا التواصل مع الجانب البلجيكى الذين كانوا قد قاموا بإعداد مشروع التوثيق والحالة الراهنة للقصر عام 2010 ، وتم إيفاد مجموعة من المعماريين البلجيك لمراجعة الوضع الحالى مع ما تم رصده من قبل والاستفادة بخبراتهم فى هذا الشأن، و اشار الى انه تم بعد ذلك أن قامت وزارة الآثار بالاشتراك مع مكتب مصر للإستشارات بعمل إعلان عن مسابقة بجريدة الأهرام لتقديم الأفكار والمقترحات لتأهيل قصر البارون على أن يتم تقييم المشروعات المقدمة واختيار أفضل ثلاثة منها، و فى ابريل 2016 صدر قرار وزارى بتشكيل لجنة من قسمى العمارة والهندسة الإنشائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة والجامعة الفرنسية بالقاهرة لفحص الأفكار المقدمة لإعادة التأهيل وتم الانتهاء من اعمال لجنة التحكيم واختيار أفضل ثلاثة أفكار لتضمينها بالدراسات الخاصة بالمشروع، وكانت كما يلي: 1- المشروع الأول: استخدم القصر كمزار ثقافى واستغلت الحديقة الأمامية لأنشطة ترفيهية وكافيتريات ومعارض، كما استغلت الحديقة الخلفية كمسرح مكشوف ومسار محلات تجارية. 2- المشروع الثاني: استغلال القصر فى دور البدروم كمجمع مناسبات وكافيتريا والدور الارضى كقاعات متعددة الاغراض والدور الأول كجناح ملكى للإقامة به صالونات استقبال وجناح نوم. 3- المشروع الثالث: استغلال القصر ثقافياً كمزار والساحة الأمامية كمعرض مغطى للكتب على طرفى الحديقة الأمامية مع الحفاظ على الجزء الأوسط كساحة زيارة بها أماكن جلوس. وقال عبدالعزيز ان المشروعات الثلاثة رأت ضرورة النزول بمنسوب الحديقة الأمامية للحفاظ على الصورة البصرية للقصر من جميع الجهات، وتم العرض على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، والتى وافقت من حيث المبدأ على دمج الأفكار الثلاثة فى مشروع واحد، وجار الآن اعداد الدراسة النهائية لمشروع اعادة توظيفه تأهيل القصر و ضمها الى المقايسة الأصلية للأعمال الإنشائية و المعمارية تمهيدا لطرح و تنفيذ المشروع بأكمله خلال 4 أشهر ، و ذلك على الشركات المتخصصة والمؤهلة فى مجالات الترميم لدى وزارة الآثار لبدء مشروع الحفاظ على المبنى الأثري، واعادة تأهيله، تحت الإشراف الكامل لوزارة الآثار و بمشاركة المجتمع المدنى و المهتمين بتراث مصر الجديدة بصفة خاصة. وحول القصص المخيفة و الأساطير التى تحيط بالقصر و التى اثارت و لا تزال تثير خيال الناس، قال الاثرى محمود موسى مدير قصر البارون ، والذى كان ضمن فريق العمل المصرى البلچيكى الذى قام بعمل دراسات مستفيضة للقصر عام 2010، ان إغلاق القصر المستمر لأكثر من 48 عاما جعل الناس تحكى الكثير من القصص الخيالية عنه و عن عائلة البارون إمبان، و بالرغم من ان هذه القصص كلها من نسج الخيال الا انها أضفت الكثير من الغموض و الإثارة حول القصر مما جعله دائما محور اهتمام و جذب مستمر للناس، و اضاف ان من اشهر ما قيل عن القصر ان برجه يدور مع الشمس كل ساعة وهذا كلام غير صحيح فلا يوجد تروس ليدور عليها البرج من الأساس، و قيل ايضا ان هناك نفق طويل يمتد من تحت القصر الى كنيسة البازيليك بالكربة، و التى دفن أسفلها البارون، الا ان الدراسات التى اجريت لم تظهر اى اثر على وجود مثل هذا النفق، و من الاشاعات الاخرى التى ارتبطت به وجود «غرفة الدم» و هى احدى غرف الدور الثانى و التى يغطى جدرانها اثار دماء، و قيل عنها ان جدرانها تبكى لموت شقيقة البارون و ابنته بطرق غامضة داخل القصر، و قيل عنها ايضا ان عبدة الشياطين كانوا يذبحون القطط و يرمون الجدران بدمائها فى اثناء ممارساتهم لطقوسهم الغريبة، و هذا ايضا عار تماماً عن الصحة حيث انه تم أخذ عينات من هذه الدماء و بتحليلها اتضح انها دماء خاصة بالوطاويط التى استوطنت القصر لسنوات طويلة ، واضاف ان هناك العديد من الروايات والأساطير التى تناولت البارون إمبان نفسه وعائلته و ان القصر مسكون بأرواح ابنته التى ماتت منتحرة من فوق سلم القصر ، وروح اخته هيلينا التى قيل ان البارون عثر على رأسها مفصولة عن جسدها عند مصعد الطعام الداخلى بالقصر،و هذه ايضاً قصص خيالية لم يكن لديه بنات فقد كان له ولدان فقط هما لويس و چان و الذى توفى عام 1948 و دفن مع والده، و هذه الأخت لم يثبت لها اى وجود فى اى مصدر من المصادر التاريخية التى تناولت حياته، و هناك ايضا القصة الشهيرة بأن البارون قام بشنق مصمم القصر المهندس ألكساندر مارسيل فوق السطح بعد الانتهاء من القصر بعام، اى عام 1912، و هذه ايضا أكاذيب لان مارسيل قام ببناء فندق هليوبوليس (قصر الاتحادية حاليا) عام 1914 و بعده قصر السلطانة ملك( او قصر حسين كامل) المقابل لقصر البارون، و قصر نوبار باشا ( و هو مبنى الشئون المعنوية الآن)، و قد توفى قبل وفاة البارون إمبان بسنة عام 1928. وقصر البارون إمبان مسجل فى عداد الآثار الإسلامية والقبطية منذ عام 1993، و قد تمت مقايضة بين ملاك قصر البارون إمبان بمصر الجديدة وبين هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة عن طريق مبادلة القصر والأرض المشيد عليها بقطعة أرض تم تخصيصها لملاك القصر بمساحة 115 فدانا بالقاهرة الجديدة وتم التصديق عليها من مجلس الوزراء فى مارس 2005، ونظراً لأهمية القصر باعتباره من الآثار الهامة والفريدة فى جمهورية مصر العربية فقد وافق مجلس إدارة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة فى فبراير 2007 على نقل أصول القصر والأرض المشيد عليها للمجلس الأعلى للآثار بدون مقابل، و القصر منذ هذا التاريخ فى حوزة وزارة الآثار ويعانى من خطورة إنشائية ومعمارية داهمة لعدم توافر الاعتمادات المالية اللازمة لترميمه وصيانته واستغلاله وتوظيفه بما يتناسب مع مكانته والمنطقة المحيطة به وبما يحقق عائدا ماديا يسهم فى تعزيز موارد وزارة الآثار.