برحيل غسان تويني امير الصحافة العربية وصاحب جريدة النهار اللبنانية التي هي من اكثر الصحف العربية احتراما, تفقد الصحافة العربية قمة عظيمة من قممها الشامخة, كرس حياته للدفاع عن قضايا الحريات. ونذر نفسه وتاريخه وصحيفته للحفاظ علي لبنان دولة مدنية قانونية, يحارب الطائفية ويقاوم بضراوة التدخل العسكري في شئون وطنه, جاء من السوريين او الايرانيين او غلاة المتعصبين انصار الطائفية, ويجمع اللبنانيون, سواء كانوا من الموالاة او المعارضة علي احترامه وتقديره, ويرون فيه الاب والمعلم, رجلا كبيرا وشخصية متعددة تسابق الزمن, وتجسد العقلانية والحكمة والشجاعة ورمزا لكل لبنان, يضاهي روعة الجبل وصمود الجنوب وسحر بيروت وصوت فيروز. عاش غسان حياته مثل ابطال التراجيديا اليونانية, يخرج من مأساة الي مأساة, ماتت زوجته ورحلت كبري بناته ثم مات ابنه الاوسط وأخيرا فقد ابنه الوحيد جبران الذي عهد اليه برئاسة تحرير النهار, قتلوه في حادث تفجير سيارته قبل رحيل القوات السورية عن لبنان كلماته جاءت تعبيرا صادقا عن شخصية الرجل, وكان جبران خصما لدودا لوجودها, لكن كلمات غسان بعد ان واري ابنه الترا ب لست اريد الثأر أو الدم أو الانتقام وأدعو الجميع الي ان يدفنوا احقادهم بعد موت جبران. لم يكن غسان تويني مجرد صحفي عربي كبير ولكنه كان علي امتداد الاعوام الستين الماضية ركنا مهما من اركان السياسة اللبنانية, شغل الوزارة اكثر من مرة, وعندما استباح الاسرائيليون غزو لبنان عام 1982 عمل سفيرا لبلاده في مجلس الامن, يطارد الاحتلال الاسرائيلي في قاعات الاممالمتحدة, وبسبب حكمته وفطنته وصلاته الدولية الواسعة نجح غسان في صياغة القرار الشهير رقم 245 الذي فصل بين قضية لبنان وأزمة الشرق الاوسط والزم الاحتلال الاسرائيلي الانسحاب الفوري من لبنان, ولا تزال اصداء صيحة غسان داخل قاعة مجلس الامن' دعوا بلادي تعيش في امان' تشكل جزءا من مأثورات قاعة المجلس. عرفت غسان عن قرب قبل 20 عاما سعيت الي التعرف به بعد ان قرأت له كتابه الجميل' سر المهنة وأسرار اخري' يكشف عمق التجربة التي عاشها في دروب الصحافة والسياسة اللبنانية والعربية, وكنت اواظب علي قراءة افتتاحياته في جريدة النهار, الي ان توقفت قبل ثلاثة اعوام عندما ثقل عليه المرض ولم يعد في وسعه ان يغادر الفراش, اعجابا بقلم عربي فصيح ربي اجيالا عديدة من الصحفيين اللبنانيين النابهين, وعاش مدافعا عن حرية الرأي والتعبير ونموذجا رائعا للصبر الجميل وقوة الاحتمال وبراعة الاقتدار المهني وشجاعة الرأي والموقف. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد