واحد من الصحفيين القلائل الذين جمعوا بين الأداء الصحفي المتميز والالتزام بأخلاقيات المهنة والإدارة الصحفية المسئولة اجتمع حوله أسرة تحرير الأهرام بأجيالها المختلفة وأحبة الجميع ، كان لدية رؤية مستقبلية لمستقبل الصحافة والطباعة في مؤسسة الأهرام خلال الأربعين سنه القادمة عاش الكاتب الصحفي محمود عبد العزيز مدير تحرير الأهرام جنديا في محراب صاحبة الجلالة ومات شهيدا وهو في سكة عودته من مهمة صحفية وهو ولم يتجاوز الخمسين عاما وكعادة الشهداء دائما سيرتهم عطرة، ومهما أتيت من بلاغة لوصف إحساس الابن خالد عبدالعزيز وهو يجلس علي مقعد وزارة من أهم الوزارات في مصر وهى «الشباب والرياضة» وهو يتحدث بحب وتقدير واحترام وحنين عن والده الذي لم يمهله القدر لكي يراه وهو يجلس علي كرسي الوزارة . فى هذا الحوار، يتحدث الوزير خالد عبدالعزيز عن تفاصيل جديدة فى حياة محمود عبد العزيز، وعن ذلك الابن الذي تنازل عن أحلامه في العمل في الصحافة والأدب واحتراف كرة القدم لإرضاء والده . في البداية نريد أن نتعرف من قرب عن الكاتب الصحفي محمود عبد العزيز تخرج والدي من كليه التجارة جامعة القاهرة ثم عمل لفترة في مصر للتأمين وإثناء عملة في مصر لتأمين ألتحق بالعمل بوكالة أنباء الشرق الأوسط وارتبط بصداقة قوية بمحمد عبد الجواد رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط وعبد الحميد سرايا وإبراهيم نافع الذين أصبحوا فيما بعد من كبار الصحفيين في مصر ، ونتيجة لظروف سياسية انتقل عدد كبير من الصحفيين الكبار في الوكالة في ذلك الوقت للعمل في جريدة الجمهورية وكان والدي واحد منهم لذلك قرر أن يترك العمل في مصر لتأمين ويتفرغ للعمل في الصحافة فعمل سكرتيرا لتحريرها ثم انتقل بعدها لجريدة الأهرام وكان عضو مجلس تحريرها وكان أخر موقع عملة به مدير تحرير . منصب مدير التحرير في ذلك الوقت وهو الجندي المجهول في منظومة العمل الصحفي لم يتأثر بعدم شهرته مثل باقي الصحفيين في ذلك الوقت ؟ إطلاقا كان هم والدي هو الارتقاء بالمهنة وكانت لدية قدرة كبيرة علي التعامل مع كل الصحفيين والإداريين وحتى العمال ،كان شغله الشاغل قبل وفاته هو تطوير الأهرام في مجال الطباعة وقد قدم تقريرا مفصلا عن مستقبل الطباعة في الأهرام ثورة التكنولوجية الجديدة التي ستنقل الصحفيين في مصر 40 سنة إلي الإمام ودفعة واحدة وسوف يتخطون عصر الآلة الكاتبة والقفز من مرحلة الكتابة بالقلم إلي الكتابة بالمس علي الآلات الالكترونية وقد تحقق كل هذا بعد مرور الزمن وكأنه كان يرسم صورة لأهرام اليوم كان دائما يقول سوف يختفي الرصاص المنصهر وآلات الجمع الميكانيكية وسوف يختفي عنبر الجمع والتوضيب من الصحف وتحل محلها قاعات مكيفة يحرم فيها حتى التدخين لحساسية الآلات التي جاءت بها هذه الثورة وسيعمل الصحفيين علي شاشات التلفزيون التي تديرها عقول الكترونية تعمل بالنبض الضوئي وتختزل الكلمات علي أشرطه ممغنطه، كنت كثيرا ما أقول له لماذا لا تكتب مثل كبار الكتاب في ذلك الوقت كان يقول لي انه مهتم أكثر بإدارة الجريدة واذكر قبل وفاته بفترة قليلة بدأ في التفكير في الكتابة بشكل منتظم كما كان ضيف دائم في الإذاعة يعلق علي الأخبار التي تنشر في الصحف . العمل الصحفي وخاصا في المؤسسات الكبير توجد به مشاكل والصراعات خاصا في تلك الفترة التي كانت تشهد حراك سياسي واقتصادي كبير هل تعرض محمود عبد العزيز لهذه الصراعات؟ كان والدي غيورا علي المهنة وعلي مضمون ما تقدمة فلم تشغله الصراعات الجانبية وكان همه الأكبر هو الاتقاء بالمهنة وبالمضمون وقد حدث صدام بينه وبين الكاتب الكبير يوسف السباعي عندما قرر توزيع الأهرام بالمساء مثل الأخبار حتى تحقق توزيعا أعلي لكنه رفض هذه الفكرة وكان مبرره أن مجلات الجنس والرياضة توزع أكثر وعمر ما كانت أرقام التوزيع تهم الصحيفة علي قدر ما تقدمه من مضمون قادر علي زيادة نسبة التوزيع، لكن مرت علي والدي فترة كان يطلق عليها مذبحة الصحفيين في عهد الرئيس جمال عبد الناصر حين قرر نقل بعض الصحفيين للعمل في أماكن ليس لها علاقة بالعمل الصحفي في هذه الفترة شعرت ان والدي يتعرض لضغوط كبيره لذلك قرر السفر والإقامة في أمريكا لفترة طويلة وبعد أن بدأنا في الاستعدادات للسفر عرض عليه الانتقال للعمل في جريدة الأهرام واذكر يومها أن والدي كان سعيد جدا بإلغاء فكرة السفر والبقاء في مصر وأنا كذلك سعدت جدا بالبقاء لأن السفر والدراسة بعيدا عن البلد وعن الأصدقاء الذين أرتبط بهم كانت صعبة جدا . بعيدا عن العمل كيف كان محمود عبد العزيز الانسان و الأب ؟ كان منزلنا ملتقي لكل زملائه ومنهم محمد عبد الجواد رئيس وكالة أنباء الشرق الأوسط وقد كان من الأصدقاء المقربين جدا لوالدي لدرجة أن والدي هو الذي اختار له منزله الذي يسكن فيه إلي الآن كذلك إبراهيم نافع رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام وصلاح جلال وعبد الحميد سرايا كان والدي أول واحد يسكن في منطقة المهندسين ونتيجة ارتباطه الشديد بأصدقاه سكنوا جميعا في منطقة واحدة وكانوا أذا جاءوا ولم يجدوه في المنزل يجلسوا في حديقة المنزل إلي أن يأتي .وأتذكر رسام الكاريكاتير يوسف فرانسيس كان أخر شخص في زيارتنا قبل وفاته بيوم وكان عدد كبير من الكتاب الذين كانوا يكتبون مقالات في الأهرام وهم من خارج الأهرام يحضرون منزلنا لتسليم مقالتهم لوالدي في المنزل نتيجة لأن كانت منطقة الإسعاف قبل بناء الكوبري أكتوبر شديدة الزحام فكان البعض يفضل الحضور لمنزلنا لتسليم المقالة لوالدي فقد تردد علي منزلنا كبار الكتاب والأدباء والفنانين وكان والدي حريص دائما علي أن أكون متواجد معه أثناء زيارتهم . أما بالنسبة لمحمود عبد العزيز الأبو فكان مثلا للأب المثقف المتفتح والديمقراطي كان حريصا علي أن يشركني في كل شيء كان يأتي بجريدة الأخبار والأهرام والجمهورية ويطلب مني أن أقرأ الخبر في الثلاث صحف وان أجد الفروق في صياغة الخبر في الصحف الثلاثة وكان هدفه من هذا هو تنمية الحس النقدي كان دائما ما يأخذ رأي في الصورة التي كانت توضع علي مقالة الشاعر صلاح جاهين واذكر أيضا انه كان يصطحبني لحضور العروض الخاصة للأفلام وأجمل يوم حضرت فيه العرض الخاص بفيلم «خلي بالك من زوزو» وكنت سعيد جدا بمشاهدة أبطال وصناع الفيلم كل هذه الأشياء ساعدت في تشكيل وجداني وتشكيل وعي لدرجة إنني فكرت في الاتجاه للعمل في مجال الأدب والصحافة ،وبرغم من حب أبي للصحافة والأدب والقراءة وحرصه الدائم علي حثي علي القراءة أنا وإخوتي فإنه رفض فكرة عملي في مجال الصحافة وكانت نصيحته لي أن المستقبل القادم للعلم وأن من لم يحصل علي دراسة علمية مثل الهندسة والطب أو أي فرع من فروع العلوم سوف لا يكون له مكان في المستقبل ، وأذكر وأنا في الثانوية كان التخصص علمي أو أدبي من الصف أولي ثانوي جلس معي وقال لي المستقبل يحتاج علم وتكنولوجيا فاختار القسم العلمي لانه هو المستقبل لذلك دخلت قسم علمي وكان حريص علي سفري كل أجازة للخارج لتعليمي الاعتماد علي النفس وتعلم اللغات بشكل أفضل دخلت كلية الهندسة برغم حبي الشديد للأدب والشعر ولي محاولات كثيرة في كتابة القصة والشعر وبالإضافة لحبي للأدب والصحافة كانت من أهم هوياتي لعب كرة القدم وفكرت في الاحتراف لكن والدي رفض وبشدة ذلك وطلب مني أن يقتصر لعب الكرة علي الهواية فقد وكان ذلك نتيجة لانطباع الذي لدي الغالبية العظمي من الناس أن لاعب الكرة ليس له مستقبل علي عكس الآن لاعبي الكرة ناس محترمين ومقدرين من كل الناس واذكر أن الكابتن محمد حسن حلمي رئيس نادي الزمالك قابل والدي وطلب منه رسميا انضمامي للعب في نادي الزمالك وأن النادي سيوفر لي مدرسين لمساعدتي في كلية الهندسة إذا لزم الأمر وكنت وقتها في إعدادي هندسة لكنه رفض وكنت دائم الاقتناع برأيه وبأسلوبه في الإقناع. كيف كان وقع حادث الوفاة عليك وعلي الأسرة ؟ أنا أتذكر هذه الحادثة في يوم 26 يونيو سنة 1977 وقبلها بليلة رجعت من نادي الصيد الساعة الثانية بعد منتصف الليل وجدت نور الصالون منور سألت والدتي من عندنا قالت لي الرسام يوسف فرانسيس عنده مشكلة خاصة لم ادخل عليهم ، في الرابعة صباحا جاء اتصال من مكتب الرئيس قالوا لي في مؤتمر صحفي للرئيس غدا في الإسكندرية ووالدي من الأسماء التي طلبها الرئيس أنور السادات لحضور المؤتمر الصحفي فبلغت والدي فقام وعمل اتصالات بالأهرام وعرفت أن العربية ستأتي الساعة الخامسة والربع ثم يذهب بها علي منزل علي الجمال للسفر إلي الإسكندرية وبعد انتهاء المؤتمر وهو في طريق عودته إلي القاهرة وقعت الحادثة وفي تمام الساعة الثامنة مساءا اتصلوا بى من المنزل علي النادي واخبروني بضرورة العودة للمنزل فورا رجعت فوجدت أكثر من 15 عربية من عربيات «الأهرام» تقف أمام منزلنا ساعتها قلت لمن معي لقد مات أبي . توفي والدي هو والسائق وأصيب الأستاذ علي الجمال وابنته ونقلوا إلى المستشفي . كان الكاتب الكبير يوسف السباعي معنا طوال فترة الجنازة كما زارنا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل وأتذكر مقالة مهمة كتبها الكاتب الكبير يوسف إدريس في رثاء والدي كان يقول فيها أن الكمال لله لكن هناك الإنسان الأكمل منا جميعا نحن الأحياء، وان حزنه علي والدي يعادل حزنه علي وفاة والدة وكان يحتفظ بالمقالة تحت زجاج مكتبة وقال لي في احد المرات التي رايته فيها أن هذه المقالة يعتبرها من أهم المقالات الأدبية التي كتبها طوال حياته. كيف تجاوزتم هذه الفترة الصعبة ؟ عدي علينا الوقت بصعوبة شديدة أنا كنت الابن الأكبر وكانت أختي إيمان اكبر مني بسنة وأخي عمرو أصغر مني بسنة واحدة كنت في إعدادي هندسة وإيمان في كلية تجارة وعمرو في الثانوية العامة ، تحملت والدتي المسئولية ولم يكن لدينا سوي مكافئة المعاش الذي لم يتعدي 26 ألف جنية ونتيجة لأننا مازلنا قصر وضعت الفلوس تحت وصاية المجلس الحسبي وكانت والدتي كل سنة تتقدم بطلب للمجلس الحسبي لأخذ جزء من الفلوس استطاعت والدتي تدبير حياتنا بشكل رائع حتى تخرجت أنا من كلية الهندسة واشتغلت في شركة وأختي من كلية التجارة وعملت في بنك وعمرو من كلية سياسة واقتصاد وعمل بعدها في الأهرام. ألم تفكر في يوم من الأيام بعد رحيله في الاتجاه للصحافة أو لعب الكرة في نادي الزمالك ؟ فكرت كثيرا في الذهاب في هذه السكة لكن الوقت كان عدي علي أن ادخل في تجربة تحتمل النجاح أو الفشل واعتقد وبعد مرور أكثر من 39 عام علي رحيله أن رأيه كان صائبا، برغم من أني لي محاولات جادة في كتابة القصة والمسلسل وقد تأثرت كثيرا بكتابات الكاتب الكبير عبد الرحمن الشرقاوي والدكتور طه حسين خاصة في السيرة النبوية وقد قرأت كثيرا عن الشخصيات التي كانت بجوار الرسول واتمني ان تنقل هذه القصص إلي الشباب لتنمية وعيهم.