في ذكري مرور 45 عاما علي هزيمة5 يونيو عام 1967 لم أجد بين أوراقي ما هو أفضل من مذكرات رجل عسكري ظلمته السياسة عندما انزلق في كواليسها. كان الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية الأسبق- رحمه الله- رجلا عسكريا ملتزما يقدس الجدية والانضباط, ولكنه كان ضحية للسياسة التي ليس لمثله أن يجيدها, والتي طمست جهده وتاريخه كمقاتل عظيم لا يمكن لأي منصف أن ينكر دوره الكبير في أضخم عملية إعادة بناء شهدتها مصر عقب هزيمة يونيو 1967 والتي بمقتضاها استطاعت العسكرية المصرية أن تسترد ثقتها بنفسها مرة أخري في زمن قياسي وأن تخوض حرب استنزاف متصاعدة المراحل حتي بات في حكم اليقين عند وقف إطلاق النار في8 أغسطس عام 1970 بعد تحريك كتائب الصواريخ المضادة للطائرات إلي قرب حافة قناة السويس أن يوم العبور المجيد ليس ببعيد! كان الفريق فوزي- رحمة الله- شخصية عسكرية تجبرك علي احترامها, ولكن جهامة الوجه التي كانت تلازمه منذ أن كان مديرا للكلية الحربية لم تمنحه مساحة من الحب والشعبية توازي مساحة الاحترام والتقدير التي لم يختلف عليها أحد من داخل المؤسسة العسكرية أو خارجها! والحقيقة أن الفريق فوزي لو لم يكن رجلا عسكريا يجهل شئون السياسة لما قادته قدماه إلي المحاكمة والسجن بتهمة التآمر علي قلب نظام الحكم في أحداث مايو 1971 ولكن اختلاط الأوراق في لعبة الصراع علي السلطة في ذلك الوقت هو الذي وفر الأجواء الملائمة لكي تصبح الرغبة في الابتعاد عن مثل هذا النوع من الصراع بالاستقالة نوعا من التآمر.. فأي وزير للحربية هذا الذي يشرع في التآمر علي قلب نظام الحكم بالاستقالة وتجريد نفسه بنفسه من كل صلاحياته وسلطاته التي يمكن توظيفها في خدمة التآمر المدعي به عليه! وفي مذكراته التي نشرها عام 1986 تحت عنوان حرب الثلاث سنوات يبدو وكأن الفريق فوزي اختصر تاريخه العسكري كله في ملحمة حرب الاستنزاف ويعتبرها بمثابة انتصار سياسي كبير لمصر وجائزة لا تعلوها جائزة في سجل خدمته. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: قمة الحكمة في القدرة علي كظم الغيظ! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله