10 رمضان.. تقدير موقف(14) بعد ثلاثة أشهر فقط من قرار مصر الاستغناء عن خدمات الخبراء السوفيت وتحديدا في نهاية أكتوبر عام1972 تلقت المخابرات الحربية المصرية تقريرا بالغ الأهمية من أحد أهم كبار مندوبيها داخل إسرائيل بشأن ملخص تقدير موقف أعدته المخابرات العسكرية الإسرائيلية. في هذا التقرير الذي اعتمدته رئاسة الأركان الإسرائيلية ورفعته إلي رئيسة الحكومة جولدامائير تأكيد مبدئي بأن مصر اتخذت قرار الاستغناء عن الخبراء السوفيت بعد تيقنها من عدم القدرة علي مناطحة إسرائيل عسكريا وأنه رغم ما حققته مصر من مكاسب في إطار مبادرة روجرز عام1970 بتحريك حائط الصواريخ المضادة للطائرات إلي حافة قناة السويس مع دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ يوم8 أغسطس1970 إلا أن مصر تعلم علم اليقين أن أي تفكير في العودة إلي حرب الاستنزاف يعني انتحارا سياسيا وعسكريا. وطبقا لتقدير الموقف الإسرائيلي فإن قدرة مصر علي شن حرب جديدة ضد إسرائيل مسألة مستبعدة لسنوات طويلة خصوصا أن أوضاع الجبهة الداخلية المصرية غير مستقرة مع تزايد مشاعر اليأس والإحباط والفراغ الذي ترتب علي طرد الخبراء السوفيت من مصر. وكما هو واضح فإن الغرور الإسرائيلي- في ثنايا هذا التقرير- كان أكبر من أن يطاق.. وكان الصبر والصمت في مصر وقتها- أمرا محيرا لمن يعرفون شيئا عما يتم من استعدادات حقيقية لا يجوز كشفها أو الإفصاح عنها تحت أي ضغوط في الشارع المصري.. وكانت القوات المصرية المنتشرة علي طول جبهة قناة السويس تكظم غيظها وهي تري أمام أعينها استفزازات إسرائيلية وقحة علي الشاطيء الشرقي للقناة. وكان ما كان.. وظلت إسرائيل تسبح في أوهام غرورها حتي يوم الخميس8 رمضان الموافق4 أكتوبر عام1973 عندما أطل رئيس الأركان الإسرائيلي دافيد إليعازر علي الرأي العام الإسرائيلي بتصريح مليء بالتهديد والوعيد وبكل عبارات التأكيد علي أن ذراع إسرائيل الطويلة قادرة علي سحق أي محاولة لكسر وقف إطلاق النار. ولأنه لم يعد هناك شك في أن إسرائيل تجاوزت الشكوك في نيات الحشود المصرية وبدأت تقترب من درجة اليقين تلقيت من الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس الأركان تكليفا عاجلا بكتابة رد علي صفحات الأهرام عدد الجمعة لدحض مزاعم إليعازر وتأكيد استمرار مصر بوقف إطلاق النار.. وكانت هذه أول مرة ينشر فيها اسمي علي صدر الصفحة الأولي للأهرام يوم9 رمضان الموافق5 أكتوبر مقرونا بلقب المحرر العسكري للأهرام بموافقة كريمة من الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس التحرير الذي لم يكن بعيدا عن جانب كبير من خلفيات الموقف السياسي والعسكري المصري في هذه الساعات المصيرية. وظهر اليوم التالي السبت10 رمضان وقعت المفاجأة وسقطت نظرية الأمن الإسرائيلية. وغدا نواصل الحديث.
خير الكلام: الزمن يستوعب المصائب ويحتوي المخاطر ويستثمر المنافع! [email protected]