أيقظتني آمال أبكر من العادة, ورأيت وجهها مذعورا فانقبض قلبي, لكنها صمتت لحظة ثم قالت: هناك عصفور في الصالة. عصفور؟! رددت دون تفكير, ولولا مزاجي النكد لابتسمت. تابعت آمال: انحشر وراء الكنبة. وراء الكنبة؟ كررت كلامها مرة أخري ونظرت لها متوجسا وقد تجدد داخلي الشك والخوف. غادرت وراءها إلي الصالة, حيث الأريكة الكبيرة التي تحتل زاويتين علي شكل حرف(L), الشمس الصباحية تسللت من وراء الشباك الموارب, واستطعت سماع أصوات العصافير تزقزق من بين أغصان الشجرة القريبة, وأصغت السمع لكنني لم أسمع أصواتا مثيلة من داخل الصالة. توقفت آمال ونظرت لي وأشارت إلي الشباك وتكلمت بصوت خافت: دخل من الفتحة الصغيرة وتخبط بين الجدران, صعد فوق نجفة السقف وحاول الخروج مجددا لكنه كان يصطدم بالزجاج, خفت أن أقترب منه وحاولت أن أدفعه من بعيد بعصا المقشة إلي الخارج, لكنه نزل إلي أسفل وراء الكنبة ولم يصعد. كنت أتابع حديثها وأنظر تلقائيا إلي المواضع التي أشارت إليها, وعندما انتهت كان نظري قد استقر عند ظهر الكنبة العريض, اقتربت بحذر ووطأت بركبتي الوسائد الرخوة, وحاولت النظر إلي ما بين الحائط وظهر الكنبة ولكن الشمس كانت تنعكس من زجاج النافذة فلم أر شيئا, جذبت الستائر فتسللت بعض العتمة, ونظرت. ' لا شيء' قلت لها. سكتت لحظة ثم قالت: ربما دخل أسفل الكنبة. نهضت وركعت ولكن المساحة الضيقة أسفل الأريكة بدت مظلمة تماما. قمت مرة أخري ونظرت إلي آمال, بدت كما لو أنها تريد قول شيء. قلت: لنرفعها. تبادلنا رفع الوسائد ونقلها إلي الجانب الآخر من الصالة, الكنبة تنقسم إلي قطعتين فبدأنا بالناحية اليمني, أدخلت أصابعي لأمسك بطرفها من أسفل وفعلت آمال مثلي من الناحية الأخري, أمسكت الطرف بقوة وحاولت بذل مجهود أكبر لأخفف الحمل عن آمال, ورأيتها بطرف عيني منقبضة الملامح وتنظر لأسفل بتركيز شديد, ولاحظت أن ذراعيها قد نحفتا كثيرا, حركنا الجزء الأيمن من الأريكة جانبا, ولم نجد شيئا سوي بعض الغبار الخفيف, فانتقلنا إلي القطعة اليسري, سمعت آمال تلهث فاقترحت عليها أن أرفع الأريكة لأعلي من ناحيتي فقط, علي أن تنحني هي وتنظر, رفعتها وانحنت ونظرت وسكتت.' هااا؟' همهمت مستفسرا, وجاءني صوتها من أسفل' لاشيء'. أعدنا كل شيء إلي مكانه, وانهرت جالسا علي الأريكة بينما فتحت آمال باب البلكونة المغلقة وخرجت, انتظرت ثواني ثم خرجت خلفها, كانت مستندة إلي السور الخشبي وقد أمالت رأسها إلي أسفل, فكرت أن احتضنها ثم تراجعت, وقفت إلي جوارها ولم تتحرك, نظرت إلي أسفل, حيث تنظر ولم يكن الشارع قد استيقظ بعد. 'ربما غادر عندما كنت توقظينني'. 'هممم' ؟!, همهمت دون أن تنظر لي. كررت: العصفور, ربما غادر بينما كنت توقظينني من النوم. قالت: آسفة يا حبيبي. كدت أقول إنني لم أقصد ذلك, ثم فكرت أن أغير الموضوع ولكن ذهني كان خاويا, فنظرت إلي الناحية الأخري, حيث الشجرة العجوز, وتأملت عصافيرها تتقافز بدأب فوق الشارع الساكن.