مدخلى لهذا المقال هو المؤتمر الدولى الذى استضافته باريس فى 3 يونيو للبحث فيما يسمى إسرائيليا وعربيا ودوليا زيفا وكذبا «حل الدولتين». المؤتمر حظى بمشاركة دولية رفيعة كان أبرزها حضور أمين عام الأممالمتحدة ووزير خارجية أمريكا الذى أكدت مشاركته وجود فجوة قابلة للاتساع بين واشنطن وتل أبيب حول سياستها التوسعية الاستعمارية المؤسسية، بغض النظر عن من سوف يسكن فى البيت الأبيض عام 2017 . طالب المؤتمرون الفلسطينيون والإسرائيليون بالبرهنة بالسياسات وبالأفعال على تأييدهما لحل الدولتين. هذه الدعوة تضاف إلى سلسلة كبيرة من دعوات الخداع والتجهيل للرأى العام الدولى بالواقع الفلسطينى وبالاحتلال الإسرائيلى وبحقيقة أن الدولة الفلسطينية وحدها التى يتم التفاوض حول قيامها، أما إسرائيل فمطلوب منها فقط الانسحاب من الأراضى المحتلة وتحديد حدودها وفقا لقرار تقسيم فلسطين أو وفقا للتنازل التاريخى الفلسطينى غير المجمع عليه فلسطينيا وعربيا بقبول دولة فلسطين على حدود عام 1967. المقولة للأسف ترددها السلطة الفلسطينية وجامعة الدول العربية والأممالمتحدة والاتحاد الأوروبى وغيرها من الدول والمنظمات الدولية والإقليمية، وهى بحد ذاتها تصطدم بالواقع على الأرض وعلى رأسه الاحتلال الإسرائيلى ووجود دولة إسرائيلية محتلة لأراضى الغير رغم أنها – المقولة- مفيدة من حيث التشكيك الذى تقبله إسرائيل بغير وعى بمشروعية وجودها برغم الاعتراف الدولى بكيانها. وبوضوح يقود مصطلح حل الدولتين إلى استنتاجات. منها:عدم وجود دولة إسرائيل. وعدم مشروعية دولة إسرائيل بسبب عدم قيام الدولة الفلسطينية. والحاجة لتطبيق قرار تقسيم فلسطين 181 لعام 1947 المنسى والذى يعد عدم تطبيقه أس المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية، إضافة إلى الاحتلال الإسرائيلى القائم منذ نصف قرن . كما أن قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين لم ينص على تفاوض لقيام دولة فلسطينية أو إسرائيلية وأن التفاوض الذى طال انتهاك له. طالب المؤتمر الطرفين بتنازلات مؤلمة لن يقدمها سوى الفلسطينيين وحدهم بمنحهم تحت الإكراه الإسرائيلى والضعفين الفلسطينى والعربى والضغط الدولى غير العادل وغير المبرر بعض أراضيهم لدولة احتلال نووية تملك كل أسلحة الدمار الشامل واقتصادا قويا وقوات مسلحة قوية وأقوى الحلفاء الدوليين الذين يصطفون ظلما معها، وهى دولة احتلال وهم دول الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان والسلام، ضد حقوق الشعب الفلسطينى التى قررت الأممالمتحدة مرارا أنه لا يمكن إنكارها. هذا الطلب يتناقض مع مطالب أخرى للمؤتمر بانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 بما فى ذلك القدسالشرقيةالمحتلة وبتطبيق القرارين 242 و338 الصادرين عقب حربى 1967 و1973 اللذين ترفض إسرائيل منذ نصف قرن بعناد تطبيقهما. لقد شكل مؤتمر باريس بداية لتفكيك خرافة الحل فقط بالتفاوض بين الطرفين وعدم التدخل الخارجي، وكسر الانحياز للرؤية الإسرائيلية بعدم إشراك المجتمع الدولى فى الحل. إسرائيليا النتيجة الطبيعية لقبول حل الدولتين، هى أن الإسرائيليين لا دولة لهم وأنهم محتلون كالفلسطينيين ولكن من قبل لا دولة، وأنهم بدون دولة ويعرقل احتلال فلسطينى وهمى قيام دولة لهم. من ناحية ثانية لا تدرك إسرائيل أن المصطلح يجهز على شرعيتها كدولة وأن قبولها له يفرض عليها الالتزام بقرار التقسيم الذى نص على قيام دولتين، لكنه لم يطبق إلا جزئيا بإنشاء (الكيان الإسرائيلي) بقوة السلاح والإرهاب والتسفير الإسرائيلى بالإرهاب والمذابح وأبرزها مذبحة دير ياسين لمواطنى الدولة الثانية (الفلسطينية) وليس سلميا وعبر الآلية الدولية التى أصدرته والتى تسهم بتراخيها حتى اليوم دون قيام الدولة الثانية. الاستنتاج المنطقى هو أن إسرائيل ذاتها تنتقص من شرعيتها كدولة عندما تؤيد حل الدولتين ومن حيث لا تعى ولا تدرك أنها لا تستطيع التهرب طويلا من الحل النهائى بوجود دولتين على أرض فلسطين التاريخية وليس دولة واحدة. ووفقا لقرار التقسيم فإن دولة إسرائيل دولة أمر واقع وليست دولة قانونية. وهذا هو سر ما يشبه الإجماع الدولى على أن قيام الدولة الفلسطينية وحده الذى سيحفظ كيان إسرائيل وأنه يصب فى مصلحة المشروع الصهيونى فى فلسطين والمنطقة، وسر شكوى إسرائيل خاصة فى عهد نتنياهو من محاولات نزع الشرعية عن إسرائيل. لكن المشكلة هى أن إسرائيل تريد أسرلة الحل والقانون الدولى والأرض والسلام مجانا والقفز على صيغة مدريد التى قبلتها، وهى صيغة الأرض مقابل السلام، وليس السلام مقابل السلام التى تفتقت العقلية الاحتلالية الإسرائيلية عنها بعد مؤتمر مدريد 1991بسنوات طويلة. إن النتيجة المنطقية لمقولة حل الدولتين هى أن العالم يفتقد الدولة الثانية وفق قرار غير عادل وغير مسبوق بتقسيم وطن كان يملك كل مقومات الدولة والاستقلال لم تنفذه لا دولة الانتداب بريطانيا التى دعت إلى إصداره ولا إسرائيل التى قبلته ولا الأممالمتحدة التى أقرته ولم تتابع تنفيذه وتسببت فى مأساة اللجوء لخمسة ملايين فلسطينى ولسبعة عقود تقريبا. سفير يمنى سابق بالجامعة العربية لمزيد من مقالات على محسن حميد