«لماذا فرنسا؟».. سؤال يتكرر مع كل هجوم إرهابى ضخم يستهدف عاصمة النور منذ هجمات شارلى إبدو، وحتى نيس، سؤال يجيب عنه تنظيم داعش خلال تبنيه هجوم نيس الذى أسفر عن سقوط 84 قتيلا، فهو «استجابة لنداءات استهداف رعايا دول التحالف الذى يقاتل داعش»، وباعتبار فرنسا إحدى دول التحالف الدولى الذى يحارب التنظيم فى سوريا والعراق، فإنها مستهدفة. كما قدم تنظيم القاعدة أيضا إجابة للسؤال أيضا حيث أشار فى أحد تسجيلاته إلى أن «فرنسا ارتكبت جرائم فى مالى والمغرب العربي، وأنها تدعم إبادة المسلمين فى إفريقيا الوسطى تحت مسمى التطهير العرقي، أنها حزب الشيطان».. تبريرات من هذا القبيل، تضعها التنظيمات الإرهابية لتبرير استهداف فرنسا، وخلال شهر واحد، هدد داعش الرئيس الفرنسى فرانسوا أولاند بتكثيف هجماته على الأراضى الفرنسية، لكن هناك مجموعة من الشواهد تؤكد أن فرنسا بل والعالم بأسره يتعرض لنوع من الإرهاب، بعيد كل البعد عن مجرد تهديدات «داعش» أو «القاعدة»، فهو تارة منظم مثل حدث فى بلجيكا وتركيا وبنجلاديش، وتارة يتم بشكل عشوائى مثلما حدث فى نيس، شاحنة يقودها التونسى محمد لحويج بوهلال، ويقود بسرعة جنونية ويدهس العشرات فى يوم الاحتفال بالعيد الوطنى الفرنسي، ودون أن يكون له علاقة بداعش أو غيره من التنظيمات. ربما يكون بوهلال «ذئبا منفردا»، وهى الظاهرة التى يتم التحذير منها فى الغرب، والتى تسببت فى ارتكاب عمليات إرهابية، والتى تقف أمامها الدول عاجزة عن اتخاذ أى حلول. نظريات الإرهاب لا يتم تداولها عبر المواقع الإليكترونية فقط، بل عبر نظريات مكتوبة من أجل التطبيق، وهو ما ظهر جليا فى كتيب تحت عنوان «إدارة التوحش» صدر فى 2004 لشخص يدعى أبو بكر ناجي، والكتيب يصنف على أنه أيديولوجية القاعدة ودستور داعش ومستوحى من فكر الإخوان، بأنه لا بد من نشر الفوضى حتى الوصول إلى ما يسمى مرحلة التمكين. فرنسا، من جانبها، أعلنت تمديد حالة الطواريء للمرة الرابعة خلال 9 أشهر منذ هجمات نوفمبر 2014، وتحولت إلى دولة بوليسية، ونشرت عشرات الآلاف من الجنود، كما أنها تقوم بضرب معاقل داعش فى سوريا والعراق وليبيا، إلا أن ذلك لم يحمها من هجمات «الذئاب المنفردة»، كما أن حكومة مانويل فالس رئيس الوزراء الفرنسى واجهت اتهامات من المعارضة بالتقصير الأمني، وسط دعوات باستجوابه ووزير الداخلية برنار كازنوف إلى جانب مطالبات باستقالته خلال تأبين ضحايا نيس، وذلك فى وقت حرج حيث تستعد فرنسا للانتخابات الرئاسية خلال 9 أشهر. دليل آخر على خطورة هجمات نيس، وعدم استهداف الإرهاب للفرنسيين فقط، أن ضحايا «14 يوليو» ينتمون إلى 29 دولة، وهو ما حدث فى هجوم بنجلاديش الذى تسبب فى مقتل 20 أجنبيا، وهو ما يعكس أن العالم كله فى قبضة الإرهاب. المفارقة الأخرى أن بوهلال لديه سجل جنائى بسبب خمس جرائم سابقة، ولا سيما فيما يتعلق بالعنف المسلح، وتم الحكم عليه لمدة 6 أشهر، كما أن محمد صلاح عبدالسلام المشتبه به الرئيسى فى هجمات «استاد دو فرانس ، التى أسفرت عن سقوط 130 قتيلا، والمتهم بالتخطيط لهجمات بروكسل، حكم عليه بالسجن لمدة شهر بتهم تتعلق بالعنف. السلطات تعرف هؤلاء الإرهابيين بأنهم «مجرمون تافهون»، إلا أن الوقائع تؤكد العكس، فهؤلاء «التوافه» ارتكبوا جرائم هزت المجتمعات التى يحملون جنسياتها. وهكذا، فان ما يوصف بأيديولوجية تنظيم «داعش»، التى تلهم هذه «الذائب» المنفردة على ارتكاب أبشع الجرائم. ولعل مدى خطورة هذه الهجمات ظهرت فى تصريحات وزير الخارجية الألمانى فرانك فالتر شتاينماير الذى أكد أنه «لا يوجد أمن مطلق، وأن الإرهاب يضرب بشكل عشوائي»، وكذلك فى تحذيرات الشرطة الأوروبية «يوروبول» من وقوع المزيد من الهجمات الإرهابية على غرار هجوم نيس فى فرنسا وهجوم فورتسبورج فى ألمانيا. فالهجمات التى ينفذها أفراد هى التكتيك المفضل لدى كل من داعش والقاعدة، وهو ما تقف أمامه الدول فى الشرق والغرب عاجزة خصوصا مع صعوبة التنبؤ بهوية هؤلاء الأفراد. فرنسا تحاول استخدام تكتيك آخر بعيدا عن الإجراءات الأمنية، وهو تعبئة المواطنين للمشاركة فى مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة البلاد، حيث أكد الرئيس الفرنسى أن وزارة الدفاع ستقوم بتعبئة 28 ألف شخص خلال الأسابيع المقبلة، كما تحاول الحكومة الدفاع عن نفسها بإعلان أنها أحبطت 16 اعتداء على الأراضى الفرنسية منذ 2013. وخلال اجتماعات وزراء خارجية دول التحالف الأربعاء الماضى فى ميريلاند الأمريكية، اعترف وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى بأن أعمال الإرهاب «تظل خطرا يوميا»، كما أكد رئيس لجنة الأمن الداخلى فى الكونجرس مايكل كاكول صلة داعش بأكثر من 100 مخطط ضد الغرب منذ 2014. وعلى الرغم من أن أعداد ضحايا الإرهاب فى الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا بلغت حوالى 29 ألف شخص منذ يناير 2015 بسبب التكتيكات التقليدية لداعش والقاعدة مثل السيارات المفخخة والهجمات الانتحارية والمسلحة، إلا أن هجمات «الذئاب المنفردة» فى الغرب تتطور مثل حدث الدهس فى نيس أو إطلاق نار مثلما حدث فى شارلى أبدو أو سلسلة هجمات إرهابية منسقة شملت عمليات إطلاق نار جماعى وتفجيرات انتحارية واحتجاز رهائن مثل هجمات نوفمبر 2015 أو انتحارية وتفجيرات مثل مطار ومترو بروكسل.