الاحتفال برأس السنة الأمازيغية تقليد راسخ فى الثقافة الشعبية لدى شعوب ليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا، فما زالوا يحيونه بطقوس مختلفة حسب العادات والتقاليد. وتكشف تلك الطقوس ارتباط الإنسان الأمازيغى القديم بأرضه واندماجه بالطبيعة، ومحاولاته لإبعاد شبح الجوع، والتماس أسباب الخير والسعادة التى تتحقق بوفرة المحاصيل، وتشكل بداية العام خاتمة المؤونة السابقة، وبداية تحضير للمحصول القادم. والتقويم الأمازيغى من أقدم التقويمات التى استعملها البشر، والاحتفال برأس السنة الأمازيغية فلَّاحى موسمى، وحدث تقليدى مرتبط بالأرض، ولم يؤرخ له بشكل رسمى إلا سنة 950 ق.م، فكان ذلك التاريخ بداية الحساب أو التأريخ للتقويم الأمازيغى الذى يبلغ الآن 2966 سنة، ومن وقتها توارث الأمازيغ تقاليد الاحتفال بشكل رسمى ومنتظم، وأصبحت جزءا من ثقافتهم. ويتم الاستعداد كل سنة لإحياء هذه المناسبة بتعليق أنشطة تنظيف المنزل والأكل، وترتدى النساء الملابس الجديدة ويتزين لاستقبال العام الجديد، ويقدمن وجبات خاصة مثل الكسكسى بالخضر ولحم الدجاج المحلي، ويتم إعداد الغرايف والبيض المسلوق والرفيسة والبركوكش، ويجب أن تكون جاهزة قبل غروب الشمس. ورأس السنة الأمازيغية مناسبة لتبادل الزيارات العائلية، وإنهاء الخصومات وإقامة الصلح، وكذلك للتضامن الاجتماعى بتجميع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، والأمازيغ فى الشمال الخصب الأخضر المطير كانوا شعبا فلاحيا مستقرا، بخلاف الأمازيغ الرحل فى الصحراء الكبري، وارتبطت السنة الأمازيغية فى الشمال بالزراعة، وأصبح بعض الباحثين والملاحظين ينعتونها بحسن نية ب «السنة الفلاحية»، وكأن التقويمات الأخرى فى بقية بلدان العالم ليست بتقويمات فلاحية أو دينية. الحقيقة هى أن كل تقويم واحتفال بالسنة الجديدة لدى أى شعب من شعوب العالم يكون دائما مرتبطا بنشاط اقتصادى معيشى أو بأسطورة دينية أو شعبية أو بطقوس دينية معينة. وهناك دائما سبب اقتصادى أو دينى أو سياسى أو اجتماعى لإقرار تقويم معين أو سنة معينة من طرف دولة أو مملكة أو إمارة أو جمهورية أو قبيلة أو كنيسة أو غير ذلك. إذن كل تقاويم ويوميات وروزنامات العالم إما دينية أو اقتصادية فلاحية أو تجارية أو سياسية أو اجتماعية. والسنة الأمازيغية حقيقة تاريخية احتفل بها الشعب الأمازيغى ضمن نظامه الاقتصادى الفلاحى فى أرضه التاريخية، شمال أفريقيا، منذ أزمان قديمة وبشكل مستمر. ويرمز عدد سنوات التقويم الأمازيغى إلى تاريخ معين يحدده البعض وينتشر بالتعود وقد لا يعجب الكثيرين، لكنه لا ينقص من عراقة السنة الأمازيغية شيئا. وتاريخ الوجود الأمازيغى فى «تامازغا» أقدم بأضعاف المرات من 2966 عاما، كما أن تاريخ الأوروبيين أقدم بكثير من 2016 عاما. ويرى البعض أن التأثير الرومانى الأوروبى فى التقويم الشمسى الأمازيغى الشمالى (أسماء الشهور الرومانية المُمَزَّغة وبترتيبها) تشكل عوارا للتقويم الأمازيغي. ويعتبرونه دليلا على تبعية الأمازيغى لتقويم أجنبي، وهم بهذا يتناسون أن جزءا كبيرا من شعوب العالم أخذت أسماء الشهور الشمسية من اللغات الأوروبية حديثا. والتقاويم العربية تستخدم أسماء الشهور الشمسية الأوروبية (يناير، فبراير...) أو أسماء الشهور الشمسية السريانية (كانون، شباط، تموز...). فالشهور الأوروبية هى الأكثر شيوعا على المستوى العالمى اليوم. ويرى معظم المتخصصين أن أيام الأسبوع السبعة اخترعها البابليون السومريون وأخذتها عنهم الحضارات الأخري. والعالم أجمع يتبع هذا النظام الأسبوعى. والأمازيغ فى شمال أفريقيا كانت لديهم شهور خاصة بهم قبل العصر الرومانى والمسيحى والإسلامي، وكانت منتشرة على نطاق واسع لحد أن المؤرخين الأمازيغ فى القرون الوسطى (أو العصر الوسيط الإسلامي) تمكنوا من تدوينها وإيصالها إلينا. وأنظمة التقويم فى العالم متأثرة ببعضها، فالتقويم الرومانى نفسه كان فى بدايته قمريا متأثرا بالتقاويم الإغريقية القمرية الأقدم، وكان يتكون من 10 شهور فقط بدون يناير ولا فبراير. والتقويم اليهودى متأثر بشكل مباشر بالتقويم البابلى الأقدم منه. وأسماء الشهور اليهودية والسريانية (شباط، آذار، نيسان، آيار، تموز، آب، أيلول، تشرين...) نسخة حرفية من الشهور البابلية / السومرية فى العراق القديم وليست يهودية ولا عبرية ولا عربية. والمعلوم أن عديد من الشهور البابلية (تموز، آب، آيار،...) المستخدمة فى الشرق الأوسط حاليا والأوروبية (يناير، مارس...) هى فى الحقيقة أسماء لآلهة بابلية سومرية ورومانية قديمة أو مشتقة منها أو مرتبطة بها بشكل طقوسى أو دينى أو ثقافي. فشهر يناير جاء من اسم الإله الرومانى Janus، ومارس باسم الإله الرومانى Mars، وأبريل على اسم الإلهة الإغريقية Aphrodite، ومايو من اسم الإلهة الإيطالية Maia. ويونيو للإلهة الرومانية Juno، ويوليو نسبة للإمبراطور الرومانى Julius Caesar. والشهر البابلى تموز جاء من اسم الإله البابلى Tammuz أو Dumuzi....إلخ. والاحتفال برأس السنة الأمازيغية من المطالب الأمازيغية فى المغرب، بجانب مطالب مهمة أخرى كالاعتراف بالأمازيغية لغة وطنية بجانب العربية فى الدستور، حيث يشكل الأمازيغ نسبة كبيرة من سكان المغرب، وبالرغم من المكتسبات التى حققتها الحركة الأمازيغية فى عهد الملك محمد السادس، الذى أبدى تجاوبا ملحوظا مع عدد من مطالب الأمازيغ كان آخرها تأسيس قناة تليفزيونية خاصة بهم، فإن الأمازيغ ما زالوا يعتبرون ذلك غير كاف بعد توافر جعل 13 يناير مناسبة وطنية.