كلما شاهدت فيلم "سر طاقية الإخفاء " توقفت أمام الديالوج الرائع الذى يدور بين الفنانين القديرين توفيق الدقن وعبد المنعم ابراهيم حيث يمسك الاول علبة مجوهرات صغيرة ويفتحها أمام الآخر ويسأله العلبة "دى فيها ايه؟. " فيجيبه مذعوراً "فيها خاتم" فيصفعه ويقول له بلهجة آمره "لأ العلبة فيها فيل" فما يكون من الشخص الضعيف المغلوب على أمره سوى التأكيد على كلامه بأنها فعلاً فيها "فيل". تذكرت هذا المشهد وأنا اتابع ما بثته القنوات التليفزيونية طوال يوم ما عرف اعلاميا بتداعيات محاكمة القرن ، فبينما كانت إحدى القنوات تقدم بثاً مباشرا من التحرير الذى اكتظ بالمتظاهرين فى لقطات تذكرنا ببدايات ثورة 25 يناير ، نجد قناة أخرى تتفنن فى اقناع المشاهدين بأن الشعب خرج الى الميادين للتعبير عن فرحته بالأحكام التى صدرت بسجن مبارك والعادلي .. وفى نفس الوقت تطل علينا فضائية أخرى تشير الى انه لا أحد على الإطلاق فى التحرير وتركز الكاميرا علي بضعة أشخاص وكأن المصور أصابه العمى أو أدمن النظر الى الجزء الفارغ من الكوب. لقد تحولت الفضائيات الى أبواق لمالكيها ولمن يقفون وراءهم ويدعمونهم بالمال وبأشياء اخرى ، وكل منها يمارس على المشاهدين كافة أشكال الإرهاب الفكرى من أجل توصيل وجهة نظرها وإقناع المشاهد بأنها لا تقول سوى الحقيقة .. وبالطبع فإن الكثير من تلك الفضائيات تنجح فى فرض وجهة نظرها خاصة حينما يكون المتلقى من المشاهدين البسطاء الذين لا حول لهم ولا قوة. اننا فى حاجة الى وقفة حازمة وحاسمة لتطهير وتنظيف تلك الفضائيات المسمومة ، وأعتقد أنه حينما يحدث ذلك فإن العلبة لن يكون فيها "فيل" بل سيكون بداخلها الحقيقة ولا شئ سوى الحقيقة.