قبل ايام صرح وزير الخارجية الألمانى فرانك فالتر شتاينماير فى مجلة فورين افيرز الأمريكية ان المانيا اصبحت قوة مهمة فى العالم وستبذل قصارى جهدها لينعكس ذلك على الساحة الدولية. كما طالبت المستشارة انجيلا ميركل ايضا بزيادة نسبة ميزانية الدفاع الألمانية من الناتج القومى الإجمالى لتقترب قليلا من نظيرتها الأمريكية لتصبح حوالى ثلاثة فاصل اربعة فى المائة وهى حاليا واحد فاصل إثنين بالمائة فقط . تزامن هذه التصريحات وغيرها حول بروز النفوذ الالمانى فى اوروبا وتطويره ليصبح عسكريا وليس فقط إقتصاديا وسياسيا، مع قرار بريطانيا الخروج من الإتحاد الأوروبى ليس من قبيل المصادفة كما يقول المراقبون فى المانيا. فسيناريو الخروج البريطانى الذى كان متوقعا فى برلين دفع كلا من القوتين الأبرز فى الأتحاد أقتصاديا وعسكريا لمزيد من التعاضد ووضع خطة لتعويض فقدان النفوذ البريطاني، وخاصة على الصعيد العسكرى والسياسي. وكما يقول تحليل لموقع السياسة الخارجية الألمانية فإن " خروج بريطانيا التى كانت تعارض بقوة وضع سياسة دفاعية اوروبية مشتركة، يفتح الفرصة الآن امام المانيا وفرنسا لتحويل الإتحاد إلى قوة دولية فاعلة قادرة على التدخل العسكرى فى الجوار الأقليمى دون الإعتماد على حلف الناتو او الشريك الأمريكي". وبالفعل فاجأ كل من وزير خارجية المانيا وفرنسا النخبة ووسائل الإعلام فى البلدين بعد ايام قليلة فقط من صدمة الإستفتاء البريطانى بإعلان مباديء مشترك يطالب بإتخاذ خطوات سريعة وفعالة نحو إكمال ليس فقط الوحدة السياسية بل والعسكرية ايضا للإتحاد الأوروبى ليصبح قادرا على التدخل فى الأزمات العالمية. ويطالب شتاينماير وايرولت بتحديث الجيوش الأوروبية وتحويل الإتحاد الأوروبى بعد خروج بريطانيا إلى لاعب عالمى "مستقل" يتبنى اجندة اوروبيةامنية ويمتلك قوات عسكرية مشتركة على أعلى درجات الإستعداد ووحدات بحرية متعددة الجنسيات جاهزة للتدخل فى مناطق الصراعات كما يطالبان بإجتماع المجلس الأوروبى مرة فى العام بصفته مجلساللأمن الأوروبي. ما تطالب به برلين وباريس الآن من خطوات نحو زيادة نفوذ الإتحاد الأوروبى سياسيا وعسكريا كقوة عالمية موحدة، جاء فى ورقة مبادىء مشتركة لوزيرى خارجية البلدين نشرتها وزارة الخارجية الالمانية أمس الأول. ومن بين ما تضمنته: أن خروج بريطانيا من الإتحاد تسبب فى وضع جديد مفاجيء ستكون له تبعات كبيرة على الإتحاد بأكمله. وان برلين وباريس على يقين راسخ من أن الأتحاد الأوروبى يشكل إطارا تاريخيا فريدا لا يمكن التخلى عنه ليس فقط من اجل تحقيق الحرية والرخاء والأمن فى اوروبا بل ايضا للمساهمة فى تحقيق الإستقرار والسلام فى العالم. ومن اجل ذلك قرر البلدان العمل سريعا على اكتمال الوحدة السياسية فى اوروبا ودعوة بقية دول الإتحاد للمشاركة فى هذا المشروع والهدف هوان يصبح الإتحاد الأوروبى وحدة سياسية لدول تتحرك على المسرح الدولى بشكل اكثر تنسيقا وثقة بالنفس، ويحق له ممارسة التأثير ليس فقط فى الجوار المباشر ولكن عالميا ايضا وذلك فى بيئة تهيمن عليها المصالح المتباينة . ويطرح الوزيران الألمانى والفرنسى العناصر الأساسية لاجندة امنية اوروبية شاملة تتضمن كل العناصر الدفاعية والأمنية وتتيح للأوروبيين تدخلا بشكل اقوى فى مناطق الأزمات المحيطة بالإتحاد شرقا وجنوبا. وتحمل الأجندة هدفا رئيسيا معلنا وهو تحقيق المزيد من الأمن للمواطن الأوروبي. وفى خطوة اولى حسب الإعلان الألمانى الفرنسى سيكون هناك مستقبلا تحليل مشترك للمحيط الإستراتيجى للإتحاد والأزمات المشتعلة فيه وسيقوم مركز مستقل بتقييم هذه الأزمات وعرض النتائج والخلاصات على مجلس العلاقات الخارجية الأوروبى والمجلس الأوروبى لمناقشتها ثم التفاهم المشترك حولها قبل وضع الأولويات الاستراتيجية للسياسة الأمنية والدفاعية للإتحاد، على ان تترجم هذه التوصيات إلى سياسة فعلية اوروبية على ارض الواقع فى التعامل مع هذه الأزمات. وهو ما يتطلب ان يكون للإتحاد الأوروبى قيادة دائمة مدنية عسكرية مشتركة ليصبح قادرا على تنفيذ العمليات المدنية والعسكرية فى اى وقت. وسيعمل البلدان فى المستقبل القريب على تنسيق جهود الدفاع الأوروبية المشتركة بحيث تكون هناك قوات عسكرية اوروبية قادرة على التدخل. ومن الواضح ان ضغوطا المانية فرنسية ستمارس فى القريب على بقية دول الإتحاد لزيادة ميزانيات الدفاع والإنفاق العسكرى فيها ومساهماتها المالية فى ميزانية الدفاع الأوروبية المشتركة. وستوجه مبالغ كبيرة لبحوث الدفاع والتطوير العسكرى كما سيتم تنسيق خطط التسليح الوطنية للدول الأعضاء لتصب فى منظومة اوروبية، وتتخصص كل دولة فى قطاع محدد من القطاعات العسكرية التى تتميز فيها. الورقة الألمانية الفرنسية تطرقت ايضا لملفات عديدة اخرى اهمها ملف الأمن الاخلى حيث دعت لزيادة الصلاحيات الأمنية وتخزين بيانات المسافرين تبادل المعلومات بين اجهزة الاستخبارات والأمن الاوروبية تحسينها وتطوير عمل هيئة يوروبول ومركزمكافحة الإرهاب فيه بل وإنشاء قاعدة اوروبية استخباراتية مشتركةعلى المدى المتوسط. ويصب الإعلان المشترك لباريس وبرلين فى نفس الإتجاه الذى ذهبت إليه تصريحات المستشارة الألمانية انجيلا ميركل، والتى قالت بعد نتيجة الإستفتاء البريطانى ان الجهود الألمانية والأوروبية لابد وان تركز فى المرحلة القادمة على إستعادة ثقة مواطنى الإتحاد فى قدرته على التصدى للمشكلات التى تهددهم فى المحيط الخارجى والداخلى وتقديم حلول لها، وهى الأمن الداخلى وتهديدات الإرهاب ومشكلة الهجرة وحماية الحدود الخارجية وقضية البطالة بين الشباب.