قيل وما اكثر ما قيل حول ان الارهاب في روسيا تراجع تحت وقع الضربات القاتلة التي نجحت الاجهزة الامنية في توجيهها اليه منذ جاء فلاديمير بوتين الي سدة السلطة التنفيذية في صيف1999. و قد اختلطت الحقائق مع التقارير القائمة علي التحليل بالتمني لتنسج صورة وردية لمنطقة شمال القوقاز, كانت ولا تزال تبدو علي غير وفاق مع الواقع. وكانت التقارير تكذب معلنة مع كل صباح جديد عن النجاح في تصفية عشرات الارهابيين والعثور علي الكثير من الاسلحة والمتفجرات مما جعل الرئيس ديميتري ميدفيديف خليفة بوتين وصديقه يطالب المسئولين بضرورة الكف عن تداول الارقام التي تبدو بعيدة عن الواقع, في اشارة الي تكرار صدور البيانات الرسمية التي طالما اعلنت عن نجاح الاجهزة الامنية في تصفية عشرات الارهابيين وزعمائهم في شمال القوقاز, في الوقت الذي لم تتوقف فيه عملياتهم ضد المواقع الحيوية والقيادات السياسية والامنية لجمهوريات شمال القوقاز. وكانت موسكو قد صدقت وعود اصدقائها في المنطقة حول استتباب الاوضاع هناك, واستجابت لطلبات تخفيف القبضة الامنية والغاء حالة الطوارئ دون ادراك لمغبة تعقيدات العلاقات القبلية المتشابكة, انطلاقا من حقائق التاريخ وتضاريس الجغرافيا. كانت الأوضاع في ظاهرها توحي بالامل في حياة وادعة وكانت فعلا قريبة من ذلك في المناطق الواقعة شمالي نهر تيريك اي في السهول والوديان التي طالما دانت بالولاء لموسكو وللسلطة الجديدة الموالية لها. لكنها لم تكن كذلك في فيدينو وبقية المناطق الجبلية المجاورة لها جنوبي العاصمة جروزني, حيث يتحرك المقاتلون بكل الحرية, ينعمون بولاء كل من تضرر عن غير حق بسبب تجاوزات القوات الفيدرالية واعوانها في المنطقة. كان هؤلاء ولا يزالون يجهرون بالولاء نهارا للسلطتين المحلية والفيدرالية, فيما هم خير دعم ونصير للمقاتلين ليلا. وكانت شبكة' نيوز رو' قد كشفت عن تجاوزات وجرائم ارتكبتها قوات امنية, حيث نقلت عن مجلة''TheNewTimes قولها إن القوات الخاصة امعنت في تجاوزاتها وراحت تلاحق الابرياء وتقتلهم ثم تعلن انهم كانوا من الارهابيين الذين ارادوا الفرار. ونشرت المجلة بالاسماء والوقائع بعض ما جري من تجاوزات في خساف يورت علي الحدود الداغستانية الشيشانية, والتي راح ضحيتها مدنيون ابرياء وقعوا بين سندان المقاتلين ومطرقة القوات الأمنية. ونشرت المجلة فضائح أخري كثيرة كانت اكبر من ان تواجهها القوات الامنية بالصمت, فوجدت الملاذ في التوجه الي القضاء الذي بدأ النظر في هذه القضية. لكن ذلك لا يعني دحض حقيقة ان مثل هذه الاخطاء والتجاوزات يسكن الخوف نفوس الكثيرين من الابرياء ممن يضطرهم العوز والخوف الي السقوط في شرك تأييد ودعم المقاتلين بعد ان فقدوا ثقتهم في الاجهزة الرسمية, تنفيذية كانت أو قضائية. ولعله لم يكن من قبيل المصادفة ان يجاهر الرئيس الانجوشي يونس بك يفكوروف الذي تعرض لمحاولة اغتيال في فبراير من العام الماضي بطلب مراجعة عمل الأجهزة القضائية في انجوشيا مشيرا الي ان النيابة العامة سرعان ما افرجت عن الكثيرين ممن اعتقلتهم الشرطة عقب تفجير موكب الرئيس الانجوشي خوفا من ملاحقة ذويهم, ومن يتولي توفير سقف الحماية لهم. اذن الخوف يحدد اليوم وبدرجة كبيرة الكثير من ملامح المشهد العام في روسيا. في الكرملين يجاهرون بالخوف من تكرار العمليات الارهابية, ويعلنون عن سلسلة من الاجراءات سبق وكانوا قد اعلنوها ولم تسفر عن النتيجة المرجوة. وفي القوقاز يعلنون عن خشيتهم من احتمالات الانتقام والزج بالابرياء الي اتون الدوائر الجهنمية, بعد ان اعتبر الكثيرون تفجيرات موسكو تحديا سافرا للكرملين واجهزته الامنية. وكان الارهابيون تعمدوا تنفيذ عمليتهم الاولي في موسكو علي مسافة امتار من مقر جهاز المخابرات والامن الفيدرالي( كي جي بي سابقا). وكان مترو الانفاق شهد العديد من الحالات التي اقدم فيها البعض علي اهانة المحجبات وعدم السماح لهن بمواصلة الرحلة وطردهن علي مسمع ومرأي من الركاب الذين لم يبادر اي منهم بالتدخل. ونشرت الصحف الروسية اخبار ملاحقة قوقازيين وتفتيش متاعهم من جانب مواطنين روس لا يملكون وبطبيعة الحال صلاحيات الضبط والتفتيش ودون عقاب من الشرطة التي هرعت الي مكان' المخالفات'. وهاهم الشرفاء من القوقازيين ممن يخشون الملاحقة في اوطانهم ويبحثون عن لقمة عيش او ملجأ آمن, يلوذون بالعاصمة التي تستقبلهم بالمزيد من الشكوك والاجراءات الاحترازية. ولذا كان من الطبيعي ان يتباين سلوك المواطنين في الشارع الروسي انطلاقا من هويتهم ولونهم وقناعاتهم. فقد ظهرت علي جدران احدي محطات مترو العاصمة شعارات' الموت للروس' و' الله اكبر' ردا علي تصرفات ابناء القومية السلافية, الذين راحوا يرون في كل أصحاب البشرة السمراء مشروعات إرهابية. ويذكر التاريخ ان الإرهابيين احسنوا استغلال تجاوزات القوات الفيدرالية في تجنيد الشباب والفتيان من ارامل المقاتلين. وكان شامل باسايف احد اكبر زعماء المقاتلين الشيشان بادر بتشكيل فرق الأرامل الانتحاريات, التي سبق وتورطن في عمليات اختطاف مسرح دوبروفكا في موسكو ومدرسة اطفال بيسلان, وعمليات أخري كثيرة, منها تفجير مترو انفاق موسكو في نهاية مارس الماضي' بحثا عن الجنة'. وقد عدن الي ارتكاب ما يحرمه الدين بعد ان وقعن اسري الدعاية المضللة من قيادات المقاتلين في الشيشان وانصارهم من طريدي البلدان العربية والاسلامية, ونتيجة الفهم الخاطئ للاسلام في بقاع كانت علي خصام مع الدين والمتدينين لما يزيد علي السبعين عاما. رحن يواصلن الطريق بحثا عن الجنة بين جثث الابرياء انطلاقا من اخطاء فيدرالية ومحلية تنشد الملايين في الداخل والخارج سرعة تجاوزها طمعا في اقرار العدالة ورفع الغبن وطعن الفساد في اروقة السلطة وعدم اتخاذ العقول رهينة والمشاعر أسيرة والحد من كل مظاهر الإرهاب والارهاب المضاد. ويبقي ان نقول ان كل هذا الارهاب لا يمكن ان يكون مقدمة لاندلاع حرب قوقازية اخري علي غرار الحربين الشيشانيتين الاولي وإن كان يظل قادرا علي تكدير صفو الامن في منطقة تبدو الاقرب الي سوتشي الموقع المختار لدورة الالعاب الشتوية الاوليمبية المرتقبة في عام2014.