ظاهرة "تسريب أسئلة امتحانات الثانوية العامة" لم تعد حالة مصرية بقدر ما صارت ظاهرة عربية، خلال الفترة القليلة الماضية، وتنتج عنها تأثيرات حادة على "أمن المجتمعات"، لا سيما أن التسريب امتد ليشمل "الوثائق الرسمية" و"المسلسلات التلفزيونية" و"المكالمات الهاتفية" و"السيديهات اللأخلاقية" و"الصناديق السوداء"، فيما يطلق عليه "ويكليكس عربى". وفى هذا السياق، انتشر تسريب نماذج أسئلة وأجوبة بعض مواد امتحانات الثانوية العامة بشكل واسع النطاق فى بعض الدول العربية مثل مصر، والجزائر، والمغرب، والسودان، وموريتانيا وربما دول أخرى، وتزايد الأبعاد النفسية الناتجة عن شعور قطاعات طلابية ومجتمعية بانعدام تكافؤ الفرص. جاء ذلك فى دراسة بحثية تحليلية لمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة حيث أكد أن ظاهرة تسريب الامتحانات باتت منتشرة فى العديد من الدول العربية، حيث تم تسريب بعض امتحانات الثانوية العامة لعام 2016، فضلا عن إثارة تخوفات من إمكانية حدوث تسريبات أكبر فى المواد الأخرى، لا سيما مع استمرار بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى فى الإعلان عن تسريبات للامتحانات المزمع إجراءها فى الفترة المقبلة، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية لتعقب الصفحة على الإنترنت من خلال وسائل الترصد الإلكترونى، وتحديد المسئول عنها، والقبض عليه، دون أن يؤدى ذلك إلى توقف ظاهرة التسريبات. وأشار البحث إلى أن الجزائر قد شهدت تسريب امتحانات فى 30 ولاية لسبع مواد فى شعبة العلوم، وأربعة فى شعبة الرياضيات فى مرحلة البكالوريا من بينها؛ العلوم الطبيعية، واللغة الفرنسية، والرياضيات، والفيزياء عبر وسائل التواصل الاجتماعى، مما دفع وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط للإعلان عن إعادة امتحانات شهادة البكالوريا بشكل جزئى فى الفترة بين 19 إلى 23 يونيو 2016، بحيث سيشمل قرار الإعادة ما يقارب 300 ألف طالب بنسبة 38% من المرشحين للحصول على البكالوريا فى هذا العام. ذلك فى الوقت الذى أجرت فيه الأجهزة الأمنية تحقيقات موسعة فى عملية التسريب تم من خلالها توقيف واعتقال 31 شخصًا بينهم مدرسين وموظفين بالديوان الوطنى للامتحانات والمسابقات. وفى سياق مشابه، أعلنت مصلحة الأمن الوطنى لمكافحة تسريب أسئلة امتحانات البكالوريا فى المغرب فى 5 يونيو الجارى، عن قيام الشرطة القضائية مدعومة بالمصالح الجهوية والمركزية لمكافحة الجريمة باعتقال 21 مشتبه فيه بتسريب امتحانات البكالوريا فى عدد من المدن المغربية خاصة الرباط، وسلا، وتمارة، والقنطيرة، وطنجة، ومراكش، وجده، وفاس، ومكناس، وتازة، وآسفى. وبحسب المعلومات الأولية المتاحة، فإن أغلبهم من المرشحين لامتحانات البكالوريا وطلبة بمعاهد وكليات المعلومات والذين يستخدمون صفحات التواصل الاجتماعى لتسريب أسئلة الامتحانات وأجوبتها فى مقابل الحصول على مبالغ مادية. كما شهدت السودان أيضًا واقعة تسريب امتحانات البكالوريا فى مارس 2016، حيث قامت السلطات السودانية بتوقيف بعض الطلبة الأردنيين والمصريين بتهمة استخدام أجهزة ذكية فى تسريب الامتحانات، وذلك قبل أن تتدخل السلطات المصرية والأردنية للإفراج عنهم. غير أن الوقائع لم تؤثر على سير الامتحانات لكون المسئولين عن التعليم، لا سيما وزيرة التربية والتعليم سعاد عبد الرازق، اعتبروا الواقعة بمثابة غش وليس تسريباً للامتحانات، كما أن لموريتانيا هى الأخرى تجربة سابقة فى هذا السياق خلال عام 2015، حيث وقعت عملية تسريب واسع النطاق لأسئلة مادة الفيزياء لشعبة العلوم الطبيعية عبر تطبيق "واتس أب"، مما دفع وزارة التعليم إلى إعادة الامتحان بهذه المادة، علاوة على إجراء تحقيق لمعرفة المسئولين عن تلك الواقعة. وأسفرت موجة تسريب امتحانات الثانوية العامة –كما جاء فى الدراسة-عن حزمة من التداعيات السلبية تلخيص أبرزها فى تهديد الأمن القومى حيث بدأت بعض الاتجاهات فى التحذير من مخاطر عمليات تسريب الامتحانات التى تنال من أنظمة التعليم السائدة فى بعض الدول العربية، وفى هذا السياق أيضًا، اعتبر كمال عامر رئيس لجنة الأمن القومى بمجلس النواب المصرى تسريب الامتحانات "قضية أمن قومى"، على أساس أنها تستهدف النيل من هيبة الدولة مطالبًا باتخاذ إجراءات عادلة لمواجهة انتشار هذا الظاهرة التى تهدد منظومة التعليم وتوظيف سياسى حيث سعت بعض التيارات السياسية، سواء الحاكمة أو المعارضة فى بعض الدول العربية، إلى توظيف قضية تسريب الامتحانات بهدف توجيه انتقادات حادة لبعضها البعض، وهو ما أضفى طابعًا سياسيًا، إلى حد ما، على القضية. ومن التداعيات السلبية أيضا تنامى الشعور بغياب تكافؤ الفرص حيث تفرض عمليات التسريب والغش، وفقًا لاتجاهات عديدة، تأثيرات نفسية فى بعض الأحيان، إذ أنها تعطى انطباعًا لدى المواطنين بأن جميع الطلاب متساوون بغض النظر عن أدائهم، وهو ما قد ينعكس بشكل مباشر على انخفاض معدلات الإنتاجية لدى المواطنين فى ظل تنامى شعورهم بغياب آليات التقييم الموضوعى للأداء، ومن ثم انتشار ثقافة اللامبالاة والاعتماد على الوسائل غير المشروعة فى تحقيق الأهداف, والمساس بالعلاقات البينية العربية. وفى النهاية أكدت الدراسة، انه يبدو أن قضية تسريب الامتحانات فى بعض الدول العربية قد باتت معقدة إلى حد بعيد، ليس فقط لتعدد أبعادها سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وإنما أيضًا لصعوبة السيطرة عليها، خاصة مع توافر عوامل يمكن أن تزيد من آثارها، لا سيما الوسائل التكنولوجية المتطورة التى يتم استخدامها لتسريب الامتحانات وتحدى قدرة أجهزة الدولة على القيام بوظائفها، خاصة فيما يتعلق بالضبط الاجتماعى.