مما لا شك فيه أن الحكم علي الرئيس السابق مبارك, ووزير الداخلية حبيب العادلي بالسجن المؤبد كان حكما قضائيا راعي سخطا واضحا علي الأداء السياسي لكل منهما. فكما هو واضح في مقدمة تلاوة الحكم, كال رئيس المحكمة اتهامات بالفساد السياسي حين تحدث عن مسئولية الرئيس السابق عن العشوائيات, والفقر, وغيرها من الأمور التي لم تكن موضوع الدعوي أو الإتهام, فالتهمة واضحة وصريحة وهي قتل المتظاهرين, والاتهامات المالية. وبرواية منقولة عن واحدة من أسر الشهداء أذاعتها قناة البي بي سي عربية توقعت حكما بالبراءة أو بخمس سنوات علي أكثر تقدير, وجاء الحكم بالسجن المؤبد فيما يفوق خيال أسر الضحايا. أسر الشهداء الذين استقبلوا الحكم ببراءة المتهمين من مساعدي وزير الداخلية, ونجلي الرئيس السابق بالاستياء معذورون تماما بعد حالة الحشد الإعلامي, وكيل الاتهامات, والتدخل السافر في أعمال القضاء لإصدار أحكاما قاسية من قبل من تتم إستضافتهم من غير ذوي الإختصاص والعلم, كل هذا أدي لحالة بلبلة, وتوقع كثيرون أحكاما مشددة. وقد استبق الدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة, والمرشح لرئاسة الجمهورية صدور الحكم بتصريحات أكد فيها أنه في حال فوزه سيعمل علي بقاء مبارك في السجن مدي الحياة رغم عدم وجود هذا المسمي بقانون العقوبات وجاء حكم المحكمة منسجما مع ذلك. هل أخطأ الرئيس السابق ورموز حكمه؟.. نعم هناك أخطاء سياسية خطيرة تم ارتكابها, ولكن إذا رغبنا في محاكمتهم بتهم الفساد السياسي لن نجد نصوصا قانونية بهذا المعني, ومن ثم لم تجد النيابة سوي البلاغات عن الجرائم الجنائية الأخري المنصوص عليها بقانون العقوبات سواء بقتل المتظاهرين, أو إستغلال النفوذ والتربح وقبول الرشوة, وهو ما إنتهي لأحكام البراءة لنجلي الرئيس ومساعدي وزير الداخلية, بينما صدرت أحكاما مغلظة في حق الرئيس السابق ووزير داخليته, وهو ما يتطلب بالضرورة فحص واستقراء أسباب الحكم الذي نثق رغم كل شئ في عدالته ويجب أن ننأي بأنفسنا من التدخل فيه حيث كان من الصعوبة بمكان أن تحصل النيابة علي أدلة قاطعة بقيام رئيس الجمهورية السابق, ووزير داخليته, بالأمر بالقتل للمتظاهرين, في حين كان من الميسور عليها الوقوف علي أدلة علي إرتكاب جرائم القتل في الميادين العامة علي مرأي ومسمع من عشرات الألوف؟ ماذا يجب علينا أن نفعل؟.. مستقبل مصر أهم من النظر في الماضي, علينا أن نتجه بأنظارنا للمستقبل, أن نطوي صفحة الماضي بكل آلامه, وأن نبدأ في التفكير فيما هو آت. وسواء فاز الدكتور محمد مرسي أو الفريق أحمد شفيق في سباق الرئاسة يجب علينا احترام صوت الأغلبية, كما يجب علينا قبول أحكام القضاء العادل والنزيه. علينا البدء في سن قوانين تحاكم الرؤساء والمسئولين إذا ما إرتكبوا أفعالا سياسية يعدها المشرع في عداد الجرائم في حق شعوبهم, دون حاجة لتوجيه إتهامات صعبة الثبوت بالتربح أو بالقتل العمد, وحتي لا نضع القضاء في هذا الموقف الإنساني المؤلم, بإصدار أحكاما إما ترضي الله أو ترضي الناس. ربما لو حاكمنا الرئيس السابق بتهم الفساد السياسي كانت الضمائر ستتقبل أحكاما أقسي مما أصدره القاضي, ولكن لا توجد لدينا مثل هذه القوانين, فالفساد السياسي عبارة فضفاضة يجب أن يتم تحديدها في نصوص مادية محكمة, وجرائم بوقائع ملموسة ومحددة تخضع لقانون العقوبات. حيث تنص دساتير العالم جميعها تقريبا علي أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص. هذه الأحكام سواء أرضت الناس, أو كانت جائرة, أو لم يتقبلها البعض, تمثل حلقة مفرغة في مسلسل المرحلة الإنتقالية, ولم يتبق سوي إنتخابات الرئاسة, وتأسيسية الدستور, ونأمل أن ننتهي من المحطتين المتبقيتين بسرعة وهدوء حتي يمكن لقطار الإقتصاد المتوقف أن يبدأ إنطلاقة جديدة. آمل في حالة فوز الدكتور محمد مرسي أن ينظر للأمام وليس للخلف, وأن ينسي مرارات الماضي, و يستلهم حكمه من أخلاق الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. وفي حال فوز الفريق أحمد شفيق أطالبه بدوره بالنظر للمستقبل, وليس للماضي وتصفية حسابات مع أحد, عليه أن يضع أيهما يده في يد البرلمان, وأن يسعي لحكومة إئتلافية قوية, وأن يتحمل برجولة, ووطنية نتوقعها, عملية إعادة البناء. أطالب الشباب أبناء الثورة بالمشاركة في عملية إعادة البناء سياسيا وإقتصاديا وإجتماعيا, وأطالب المستثمرين الوطنيين بإعادة فتح مصانعهم, والتخطيط لمشاريع جديدة. أطالب الإعلام بالنظر للمستقبل, والكف عن سياسة التهييج وصب الزيت علي النار. أطالب البرلمان بالنظر إلي مصر ككل وليس لفصيل سياسي واحد, أطالب المفكرين والأدباء بكتابات تشحذ الهمم للبناء والحياة, أطالب رجال الدين بحث المجتمع علي الفضيلة والعمل والتراحم والتوائم, أطالب الشعب بأن يظل ساهرا علي ثورته, وألا يعود لعصر السلبية والطاعة العمياء, أطالب الجميع بتقوي الله وحماية الوطن من الفتن وطمع الطامعين. وفي النهاية, هناك تحية واجبة للإعلامي القدير إبراهيم عيسي حيث عبر عن ذلك المعني تماما, موضحا أنه ليس أمام مصر وساستها الآن إلا التصالح, والترفع عن فكر الإنتقام, والتراشق الذي لن يفيد إلا أعداء الوطن, فمصر علي المحك الأن, والقول بغير ذلك, هو إضرار بالوطن لا يعلم مداه إلا الله.