والغنوشى كمتآمر متمرس حشد كل جهوده وكل قدرته المستمدة من مشاركته فى السلطة لعقد مؤتمر مهيب فعدد اعضاء المؤتمر 1180 عضوا سيمارسون عمليات التصويت على القرارات إلكترونيا، كما وجه الدعوة لنحو أحد عشر ألف ضيف من مختلف الاطياف السياسية والاجتماعية التونسية وكل السفراء المعتمدين وضيوف من مختلف بلدان العالم، لكنه احتفظ بشعرة معاوية مع قوى التأسلم فى البلدان الأخرى فاستضاف وفدا من حماس يقال إنه كان السبب فى عدم حضور السفير الأمريكى إلى جلسة الافتتاح. وسبق المؤتمر بأيام اوركسترا من كبار رجالات حزب النهضة ملأوا الساحة الإعلامية بضجيج مفتعل عن التوجهات الفكرية والسياسية حتى التنظيمية الجديدة فعبد الحميد الجلاصى القيادى فى الحزب أعلن أن ثمة مشروعا لتعديلات فى اللائحة التنظيمية للحزب بحيث تحدد رئاسة الحزب بدورتين وبأثر رجعى وبالتالى ستكون الدورة المقبلة هى الدورة الأخيرة للغنوشى (ويبدو أنهم واثقون من سطوته ومن فوزه بالرئاسة علما بأن أحدا لم يعلن ترشحه ضده) وأشار الجلاصى فى تصريحات صحفية إلى أن حزب النهضة هو الحزب الإسلامى الوحيد الذى ركب زورق النجاة من تداعيات ثورات الربيع العربي. ويقول الجلاصى «إن مسألة الفصل بين الدور السياسى والمهام الدعوية كانت أحد أهم الانتقادات الشديدة التى وجهها المعارضون لحزب النهضة خاصة القوى اليسارية». لكن كثيرا من المراقبين طرحوا على قيادات الحزب أسئلة صعبة فإذا كان من الضرورى فصل ما هو دينى عما هو سياسى وإعلان النهضة حزبا غير قائم بأى دعاية أو مواقف أو دعاوى تتعلق بالإسلام فماذا ستكون علاقة الحزب بالتنظيم الدولى للإخوان؟ علما بأن الغنوشى لم يزل يحمل فى أحشائه خبيئة زعامة القوى المتأسلمة فى العالم ليكون مشروع خليفة «مودرن» مقبول من مختلف القوى العالمية التى تطمح إلى نهوض «تيار إسلامي» يزعم أنه ديمقراطى ومدنى وحول هذا الموضوع صرح رياض الشعيبى وكان أحد كبار قادة الحزب ثم استقال عام 2014 ليؤسس «حزب البناء الوطني» قائلا: «إن بعض التيارات الإسلامية رأت فى الفصل بين ما هو سياسى وما هو دعوى مخرجا من أزمة حقيقية» وقال إن تخلى الحركة عن الجانب الدعوى يتم تحت ضغط الواقع السياسى التونسي. بينما يؤكد الآخرون أن الفرص التاريخية المتمثلة فى انقسام حزب رئيس الجمهورية الباجى قائد السبسى وفقدانه صفة الحائز لأعلى نسبة نواب فى البرلمان ومنح هذا الموقع لحزب النهضة يجعل من مسألة إعادة تأسيس النهضة كحزب يزعم التمسك بالديمقراطية والدولة المدنية ويسعى للتحول إلى حزب جامع لكل التونسيين ليعطى للغنوشى فرصة التحكم فى مسار البلاد. ويمضى مع الاوركسترا المصاحب لانعقاد المؤتمر العاشر تصريحات لعلى العريض رئيس الحكومة السابق وأمين عام حزب النهضة الذى انتخب رئيسا للمؤتمر فقال فى حوارات صحفية «إن التحديات التى تواجه حزبنا هى نفسها التى تواجه البلاد وفئات المجتمع ككل» ولم ينس أن يذكر «رجال الاعمال» من بين هذه الفئات وقال يأتى على رأس هذه التحديات العنف السياسى والارهاب وهو ظاهرة اقليمية ودولية لها اسبابها السياسية والثقافية والاقتصادية والامنية وهى تحديات تؤدى إلى مخاطر تهدد المدنيين والعسكريين والدولة ككل وذلك بسبب خلط بعض المنتمين «سابقا» إلى جماعات دينية دعوية بين «حقهم» فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بالموعظة الحسنة وبين استعمال العنف والسلاح وقتل السياح والعسكريين والمدنيين. وحول وضعه كوزير للداخلية منذ عام 2012 قال الإرهاب ظاهرة إقليمية وعالمية وهى تهدد اساسا بعض الدول التى تمر بمرحلة انتقالية تتسم بقدر من الهشاشة، ولكن المخاطر تتزايد فى تونس بسبب الازمات الاقتصادية والاجتماعية ومعضلات التنمية، وضرورة مواجهة التهميش والبطالة والفقر والعوامل التى سبق أن تسببت فى ثورة الشباب العاطل عن العمل والثورة الشاملة فى أواخر 2010 وأضاف ان الازمة الداخلية التونسية تتضاعف بسبب ازمات اوروبا الاقتصادية وهى التى تمثل شريكا بنسبة 70% فى تعاملاتنا، وكذلك تدهور الاوضاع فى ليبيا الشريك رقم 2 فى التعاملات بعد اوروبا وقد تفككت فيها الدولة المركزية وسادها مناخ ارهابى احتشدت فيه جموع ارهابية من مختلف الجنسيات يلعبون دورا شديد القسوة مستفيدين من طول السواحل الليبية والحدود البرية وهو ما يسهل تهريب السلاح والإرهابيين، والحقيقة أن التهديدات الإرهابية تجد مناخا ملائما للنمو سواء فى تونس أو ليبيا بسبب الصعوبات السياسية والتنموية والامنية التى «تواجه البلدين». وأضاف فى حسم «وهكذا فإن الاولويات لم تعد للصراعات السياسية أو الاشتباك حول مسألة هوية الحزب، وفيما يتعلق بنا فقد حسمنا موقفنا لمصلحة «الهوية الوطنية التونسية» (وهكذا شطب مسألة الهوية الإسلامية) ونحن سنواصل دعمنا لحكومة الحبيب الصيد بقوة سواء فى معركتها ضد الارهاب أو فى إيجاد مناخ ملائم للاستثمار والتنمية وإيجاد الثروة (مرة أخرى هو يتملق الرأسمالية التونسية) وصاح.. إن أولوياتنا هى اولويات شعبنا.. أى أولويات تنموية اقتصادية اجتماعية وليست (لاحظ وليست الحاسمة) دينية أو ايديولوجية. هكذا يفعل الحزب الإخوانى المتشدد والارهابى والتكفيرى فعل استربتيز سياسي.. ويبقى أن نعود إلى المحرك والقائد والفاعل الاصلى راشد الغنوشى وإلى ما كان فى المؤتمر. لمزيد من مقالات د. رفعت السعيد