تعاملت الجماعة العربية مع الزمن الرمضانى بطريقة خاصة، عكست طبيعة تعاطيها لهذا الشهر، وتعاملها معه، وشواغلها التى تستغرق أيامه. والتقسيم الزمنى لأيام شهر رمضان يقودنا إلى الفكرة النسبية للزمن الذى يختلف الإحساس به من مكان لآخر وفقا للطبيعة الجغرافية، كما أنها تبرز بجلاء العادات والتقاليد التى تراعى الشعوب العربية الوفاء بها والحرص عليها خلال هذا الشهر الاستثنائى. فقد قسم المصريون أيامه إلى ثلاث عشرات: عشرة للمرق وعشرة للحلق وعشرة للخلق. قاصدين من ذلك أن الأيام العشرة الأولي ينشغل فيها الجميع بالطعام وإقامة الولائم ودعوات الإفطار الجماعي، وهو المقصود بكلمة "مرق"، التى تشير إلى "الشوربة" الذى يحرص المصريون على استهلال فطورهم بها ولا تخلو مائدة منه، أما الأيام العشرة الثانية فينتقل الاهتمام فيها إلي اللقاءات والاجتماعات العائلية والسهر وتجمعات الأصدقاء والأحبة وتبادل أحاديث الذكريات الأثيرة والحكايات الشيقة الممتعة، وهذا معنى كلمة "حلق"، أى "حلقات". أما العشرة الأخيرة من الشهر فينصب فيها التركيز علي الخروج إلى الأسواق بغرض شراء وتجهيز ملابس العيد الجديدة، وهذا هو ما تعنيه كلمة "خَلَق" أى "الملابس". ومن بين الجماعات المصرية تنفرد جارة أم الصغير الواقعة على مشارف واحة سيوة المصرية؛ بتقسيم خاص لشهر رمضان، تعكس الإحساس النفسى به، وهذه الأقسام، هى: العشرة السريعة، العشرة المتوسطة، والعشرة البطيئة. ما يشير أن فكرتهم عن العشرة أيام الأولى تنقضى بسرعة لحفولها بالانشغالات الاجتماعية التى من فرط تلاحقها لايكفى لها الوقت، حيث تداهمهم العشرة الثانية التى تستلزم التزود باحتياجات العيد، فيتردد الزمن بين الإسراع لإنجازها والبطء فى تحقيقها ربما بسبب الظروف الاقتصادية التى تعانى منها هذه المنطقة، ثم تتخلى الأيام عن سرعتها تدريجيا، حتى تصبح بطيئة فى العشرة الثالثة. ويرجح الباحث "شوقى حبيب" أن سبب تسمية العشرة الأخيرة بالبطيئة ربما يرجع إلى تشوقهم لاستقبال العيد، لذا يحسون بأن العشرة الأخيرة لا تنتهي. وهذا التقسيم يصادف تقسيما مشابها لدى الموريتانيين، وإن كانت أداة التعبير عنه تأخذ منحى مختلفا؛ فيقسمون أيام الشهر المبارك إلى: (عشرة الخيول) و(عشرة الجِمال) و(عشرة الحمير)، قاصدين بذلك أن العشرة الأولى تمر وتنتهي بسرعة كسرعة الخيل؛ أما العشرة الثانية فتكون بطيئة كسير الجمال، ثم تصير أكثر بطئا حتى إنها تكون فى سرعة الحمير. وهى تقسيمات تعكس رؤية هذه المجتمعات لفكرة الزمن وطريقة تعبيرهم عنها وفقا لمفرداتهم المعيشة. المفردات نفسها نطالعها لدى الصحراويين من أهالى المغرب الذين يقسمون شهر رمضان إلى ثلاث مراحل أيضا، الأولى يطلقون عليها "عشراية التركة" (ويقصدون بالتركة الأطفال) حيث تشهد هذه الأيام احتفالا مخصوصا من الأطفال بوصفهم أكثر فئات المجتمع فرحا بقدوم الشهر المبارك، الذى يشهد انطلاقهم فى الليل وممارسة ألعابهم المحبوبة وانفلاتهم من سلاسل الخوف من الظلام الذى يستحيل إلى نور طيلة أيام الشهر المبارك، وأحيانا يطلقون عليها "عشراية ركوب الخيل"، إشارة إلى قدرة الصائم على تحمل مشاق الصيام بعد شهور طويلة لم يجربه خلالها، مشبهين الصائم بالجواد فى قدرته على التحمل. أما العشرة الثانية فتسمى "عشراية أفكاريش" باللهجة المحلية، أو "عشراية ركاب لبل" (الإبل)، حيث يصبح الصائم فى حاجة إلى مزيد من الصبر والجلد لتحمل بقية أيام الصيام وهي مرحلة تتطلب من الصائم صبرا طويلا، فيما تسمى الثالثة ب"عشراية لعزايز" (أى: المسنات) أو عشراية "ركاب لحمير"، للدلالة على تباطؤ الوقت إزاء الصائم الذى بدأ يتسلل إليه التعب من عناء الصيام. وهى تقسيمات تعكس الطبيعة القاسية للصحراء، التى تضاعف من حاجة ناسها للماء العزيز، ومن ثم يشق عليهم الصيام أكثر من غيره. وفى سوريا يقسمون أيام الشهر المبارك إلى: عشرة للمرق، وعشرة للخُرَق، وعشرة لصر الورق. فالثلث الأول يشير إلى الانشغال بالطعام وتنوع صنوفه ودعوات الاجتماع حول موائده، والشطر الأوسط يشير إلى الانهماك فى تجهيز وشراء ملابس العيد، أما القسم الأخير فيشير إلى الاستعداد لإعداد حلوى العيد. وبنفس الروح المنبسطة؛ يقسم أهل السعودية أيامه إلى ثلاثة أقسام أيضا: عشرة للجزّارين، وعشرة للقمّاشين، وعشرة للخيّاطين. وواضح من التقسيم أن الثلث الأول يشير إلى الاهتمام بالطعام ونحر الذبائح من أجل الولائم والمآدب، أما الثلث الأوسط فيبدأ الأهالى فى شراء الأقمشة التى ستعد منها ملابس العيد، فيما ينهمكون فى الثلث الأخير بالتردد على الخياطين الذين يقومون بحياكة ملابس العيد. وإذا كانت التقسيمات السابقة تتسم بالكلية أوتقوم على فكرة التحقيب، فإن هناك بعض الأيام تكتسب خصوصية منفردة فى الزمن الرمضانى لدى الجماعة العربية، وتقضيها أو تحييها بطريقة مخصوصة، تنهض غالبا على فكرة التبرك بالمعنى الماثل وراء التاريخ، لذا فإنها تصاحبها عادات اجتماعية تدلل على احترام أو تقديس الذكرى التى توافق هذا اليوم أو ذاك. من بين هذه الأيام والعادات: الجمعة الأولى فى موريتانيا: تشغل الجمعة الأولى من رمضان؛ لدى المجتمع الموريتانى أهمية خاصة، حيث يحرصون من خلالها على تعظيم صلة الرحم والاختلاف إلى المساجد لحضور الدروس الدينية وغالبا يستعدون لها بشراء ملابس تقليدية جديدة. (الدراعة للرجل، والملحفة للمرأة)، حيث يحرصون على استقبالها بشكل جديد وبعد أن ينهون يومهم بوليمة مخصوصة من لحم الإبل يسعون للبادية مخلفين وراءهم عالم المدينة ومستقبلين الصحراء بهدوئها الساحر. ليلة القرش فى تونس: يطلق التونسيون على أول ليالى شهر رمضان "ليلة القرش" (بفتح القاف). التى تزدان فيها تونس بشتى صنوف الأطعمة والحلويات التى تلقى اهتماما مضاعفا بتزيينها وتجويدها ودقة صناعتها. الاحتفالات بالخطبة والختان فى المغرب العربى واليمن: ويحرص الجزائريون بعد إحياء ليلة القدر المباركة على إعلان خِطْبَة شبابهم، وختان أولادهم استبشارا بالليلة المباركة. أما التونسيون فيقيمون حفلات الخطوبة خلال النصف الأول من رمضان، بعدها يقوم العريس فى ليلة السابع والعشرين من رمضان، بتقديم ما يعرف ب "الموسم" (بضم الميم)، وهو عبارة عن هدايا يقدمها الخطيب إلى خطيبته. الموسم أيضا ظاهرة معروفة فى مصر، خلال المواسم الدينية: ليلة الإسراء والمعراج، ليلة نصف شعبان، وليلة القدر. كذا تقوم الأسر التونسية بختان الأطفال فى ليلة السابع والعشرين من رمضان، ويحتفلون باختتانهم فى احتفالية خاصة تحييها فرق الأناشيد الدينية المعروفة لدى التونسيين ب "السلامية". ومع اليوم العشرين منه؛ يبدأ شباب اليمن المقبلين على الزواج فى إقامة احتفاليات خاصة لاختبار مهارة المقبلين على الزواج من خلال لعبة شعبية تسمى المداراة حيث يوثق حبلان غليظان بجذع شجرة ضخمة ويربط بهما كرسي ويتبارى الشباب فى تحقيق أعلى ارتفاع أثناء التقافز، فيما كبار السن يحكمون بين الشباب، الذى يحظى الفائز منهم بتقدير زملائه والشيوخ المحكمين، فضلا بالطبع عن إعجاب عروسه التي تكون واقفة عن بعد تراقب المنافسة. القرقاعون فى دول الخليج: ليلة القرقاعون أو القرقشون أو القرقيعان، هي ليلة الخامس عشر من شهر رمضان، كما يطلق عليها البحرينيون، وقد اعتاد الأطفال في هذه الليلة أن يصحبوا أكياسا من القماش تعدها الأمهات لهذه المناسبة تحديدا ويعلقونها فى رقابهم، ويخرجون إلى الشوارع عقب الإفطار ويجوبون أنحاء الحى لجمع "قرقاعون" رمضان، وهو عبارة عن العطايا والنقود التى يغدق بها عليهم الأهالى، فيما الأطفال يغنون لهم بطول العمر ووفرة الرزق، ويظلون يدورون بين البيوت حتى ساعة متأخرة من الليل،وهم يرددون: اعطونا من مالكم سلم الله عيالكم وهى ليلة معروفة كذا بالشكل ذاته فى المغرب وقطر والسعودية والكويت، غير أن أطفال الكويت يحتفلون بها على مدار ثلاث ليال متتاليات (ليلة اليوم الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر من شهر رمضان). التشهير: يعد يوم التنشئة الرمضانية عند المجتمع الأصيلي بالمغرب من العادات الراسخة التى يحتفل بها فى السادس والعشرين من رمضان ويدرب بها الأهالى أطفالهم على الصيام ويعودونهم على تحمل مشقته، حيث يحتفلون فى هذا اليوم بالطفل الذى يصوم لأول مرة، وذلك بإلباسه ملابس جديدة، وإقامة وليمة خاصة احتفاءا بهذا الحدث. وهى العادة المعروفة لدى بعض البلدان باسم التشهير. وتعرف عند الجزائريين ب يوم النفقة، غير أنها تقام إما في بداية شهر رمضان أو عند منتصفه، أو في ليلة السابع والعشرين. ومما اعتاد عليه الجزائريون فى هذا اليوم إعداد مشروب خاص من الماء والليمون والسكر، يوضع به خاتم من الذهب، وبعد انتهاء المشروب يكون الخاتم من نصيب الفتاة التي تصوم لأول مرة.