هل يملك أحد منع المسلم من أداء فريضة الحج متي استطاع إليه سبيلا, حتي إن كان مريضا بمرض مزمن ؟! وهل تعني الاستطاعة التي وردت في قول الله تعالي ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا القدرة الصحية والبدنية علي آداء تلك الفريضة التي تتوق اليها نفس كل مسلم علي وجه الأرض ؟! وزارة الشئون الاجتماعية اتخذت قرارا مفاجئا بتوقيع الكشف الطبي علي حجاج الجمعيات الأهلية لمنع أصحاب الأمراض المزمنة والمعدية من أداء الفريضة حفاظا علي حياتهم ومراعاة لسلامة ضيوف الرحمن, وعلماء الدين يرون أن القرار كان انفعاليا ومفاجئا ولم يعرض علي مجمع البحوث الإسلامية أو دار الإفتاء بصفتهما الجهة الشرعية المنوط بها البت في مثل هذا الأمر. وأثار القرار فور الإعلان عنه جدلا واسعا بين علماء الدين, مؤكدين أنه جاء مخالفا لآيات قرآنية وأحاديث نبوية وكان من ابرز المعارضين للقرار الدكتور محمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية, الذي أكد أنه لا يجوز اتخاذ مثل هذا القرار لأن الناس تأمل أن تؤدي هذه الفريضة, وقد تري أن ظروفها مواتية لهذا العام وقد يريدون التعجيل بذلك خوفا من الوفاة قبل أداء الركن الخامس من الإسلام, ولهم الحق في ذلك مثل الأسوياء تماما, ولا يجوز تنحيتهم عن رغبتهم هذه, ويتساءل الجندي عن الأسس والدوافع التي يرتكز عليها هذا القرار, الذي لا يوجد له سند من الناحية الشرعية أو القانونية أيضا, ويضيف قائلا: هذا القرار يعد تفرقة بين المواطنين بدون وجه حق, ومسألة تحكمية وإضرارا معنويا بالغا. ويطالب الجندي, وزارة الشئون الاجتماعية, بالغاء القرار والاكتفاء بتوعية المرضي وتقديم الخدمات الطبية والعلاجية اللازمة لهم في أثناء أداء مناسك الحج, مؤكدا ان مثل هذا القرار يعد مخالفة شرعية ولا يجوز تنفيذه خاصة أن بعض أصحاب الأمراض المزمنة قادرون بالفعل علي القيام بمناسك الحج. ويؤكد الدكتور أحمد كريمة, أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر, أن هذا القرار غير جائز شرعا ويتصف بالسلبية, لأنه لم يرد في الشرع أن المرضي لا يؤدون شعائر الله عز وجل, وإن كانت الصحة العامة تدخل في الاستطاعة التي تشمل الأمن علي النفس والمال والعرض, ولكن مع التقدم المذهل للطب فالرعاية الطبية متوافرة في المواني وأماكن تواجد الحجيج, ولايوجد أدني مبرر لقيام وزارة الشئون الاجتماعية بتوقيع مثل تلك الكشوف الطبية لمخالفتها للشريعة الإسلامية, وكان الأجدر قيام الوزارة بتجيهز طواقم أطباء وتمريض مع كل قافلة من قوافل الحجيج, أما أن يمنعوا الحجيج فلا يجوز مطلقا, فماذا لو أن إنسانا مريضا ويشعر بدنو أجله ويريد أن يؤدي هذه الفريضة ويتمني أن يموت هناك ويدفن في هذه البقعة المقدسة, فلماذا نحرمه من هذا ؟! وفي فقه الموازنات بين المصالح والمفاسد سنجد أن منع الحجاج المرضي من أداء الشعائر مفسدة, فربما تكون هذه هي الحجة الوحيدة أو الأخيرة لهم, فكيف تمنع وزارة التضامن الاجتماعي الناس عن الوفاء بفريضة الحج بهذه المبررات الواهية التي تبني قرارها عليها. ويضيف الدكتور كريمة أنه توجد تحصينات وتطعيمات ضد الأوبئة, كما توجد قوافل من المملكة العربية السعودية وكثير من الدول العربية في أماكن وجود الحجاج, لمتابعة حالة المرضي ورعايتهم, ولو منع الحجيج من أداء الحج فسينسحب هذا علي صلوات الجماعة أيضا, وهذا لا يجوز شرعا علي الإطلاق, يقول الرسول صلي الله عليه وسلم:( فقد كان يؤتي بالرجل يهادي من الوهن والضعف والمرض بين الرجلين ويقف في الصف ليصلي صلاة الجماعة), وكان الأحري من وزارة التضامن الاجتماعي بدلا من هذه القرارات الانفعالية الانفرادية الرجوع إلي الهيئة الشرعية المختصة ممثلة في مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء بدلا من التعدي عليها بهذا الشكل غير المقبول. وعلي الرغم من معارضة علماء الدين لقرار وزارة التضامن الاجتماعي فإن هناك من يري أنه ضرورة من ضرورات حفظ النفس التي هي مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية. كما يقول الدكتور محمد الدسوقي, استاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة الأزهر, الذي يري أنه يجوز شرعا لحفظ النفس الإنسانية بمقاصد الشريعة, فبعض المرضي تكون حالاتهم حرجة لا يتحملون مشقة السفر وأداء المناسك, ولا يجوز أن يعرضوا أنفسهم للهلاك, يقول تعالي: ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة, واضاف قائلا: إن الشريعة الإسلامية السمحة جعلت للمسلم غير القادر أن يحج بنفسه أن يفوض غيره لأداء الفريضة, هذا بالإضافة إلي وجود بعض الأمراض التي تنتقل عن طريق التنفس وكثافة الأعداد, ويوجد بعض الأشخاص ليس لديهم أمراض ولكن مناعتهم ضعيفة فينتقل إليهم المرض فيهلكون أيضا, صحيح أن لكل أجل كتاب ولكن الله أمرنا أن نأخذ بالأسباب, يقول تعالي: ولله علي الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا, والاستطاعة هنا تشمل القدرة المالية والبدنية, فإذا كان لديه القدرة المالية ولا تتوافر عنده القدرة البدنية فتسقط عنه فريضة الحج, وإن كان الأولي أن ينيب أحدا عنه في أداء الفريضة.