هل تحول الملياردير الأمريكى دونالد ترامب إلى أمر واقع ستعيشه أمريكا؟ .. هل سيشهد العالم قريبا "أمريكا ترامب" لتبدأ الولاياتالمتحدة عهدا جديدا من العزلة وربما التطرف اليمينى الذى يهدد مكانتها كقوة عظمى؟ .. الكثير من التساؤلات تفرض نفسها مع الصعود القوى والثابت لترامب. فعلى الرغم من أنه ربما يكون أول مرشح بلا تاريخ سياسى أو عضوية سابقة فى الكونجرس، إلا أنه حقق انتصارا غير متوقع على قيادات الحزب الجمهورى ونجح فى إجبارهم على مساندته رغم أنوفهم بعد أن أصبح المرشح الأوحد فى الانتخابات التمهيدية للحزب، قبل أسابيع قليلة من انعقاد المؤتمر العام الجمهورى فى يوليو المقبل، فقد وضع الجميع أمام الأمر الواقع، مدعوما بشعبيته التى أدهشت المراقبين محليا وعالميا. وبغض النظر عن تصريحاته المثيرة للجدل والسخرية على حد السواء، فإن سلاح "السياسة الخارجية" ساعد ترامب فى القضاء على منافسيه، وربما ضمن له أيضا إقامة مريحة فى البيت الأبيض. شعار "أمريكا أولا" الذى رفعه ترامب، هو فى الواقع الضالة التى يبحث عنها الأمريكيون بعد أعوام طويلة من المتاعب الاقتصادية، وفى ظل تصاعد المخاوف الأمنية والتهديدات الإرهابية القادمة من الشرق الأوسط. فاهتمام رجل الشارع الأمريكى يتركز فعليا على القضايا الداخلية وليست العالمية، وهو الوتر الذى لعب عليه الملياردير الأمريكى خلال حملته الانتخابية. فقد ركز على كيفية تحسين مستوى الفرد الأمريكى مقابل تقليص الانفاق على المنظمات الدولية والقواعد العسكرية الأمريكية التى تهدف لتأمين مختلف دول العالم. وعلى الرغم من حالة الرفض العالمى لهذه الدعوة الصريحة للانعزال، فإن هذه المعادلة لاقت رواجا ملحوظا لدى المواطن الأمريكى الذى يتصدر الشأن الداخلى أولوياته، ولا يرى فى كوريا الشمالية على سبيل المثال أى تهديد مباشر له. وهناك أيضا بعض النقاط الإيجابية التى لا يجب تجاهلها فى سياسة ترامب الخارجية، وهى انتقاده الصريح لتخلى الولاياتالمتحدة عن حلفائها فى الشرق الأوسط، وعلى رأسها مصر، وتأكيده على أن إخفاقات إدارة أوباما المتكررة فى العراق ومصر وليبيا هى السبب الرئيسى وراء صعود التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، وتحول الإرهاب إلى وباء عالمى يهدد الأمن فى كافة الدول على حد السواء. وهذا الاعتراف الصريح بفشل السياسات الأمريكية فى المنطقة، وتحميل إدارة الرئيس باراك أوباما مسئولية ظهور تنظيم "داعش" الإرهابى واتهامه بالفشل فى القضاء على التنظيم أو حتى منع ممارساته الوحشية قد لمس وترا حساسا لدى المواطن الأمريكي، والذى أصبح الأمن يحتل أهمية خاصة فى أجندته، خاصة فى أعقاب سلسلة التفجيرات الإرهابية التى هزت أوروبا وأعادت إلى الأذهان أحزان ورعب اعتداءات 11 سبتمبر 2001. وهذه المخاوف الأمنية تحديدا هى التى دفعت الشعب الأمريكى للترحيب بفكرة طرد المهاجرين سواء الفارين من الدمار والحرب فى الشرق الأوسط، أو حتى هؤلاء الفارين من الفساد والفقر فى أمريكا اللاتينية. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه الآن هو : "هل سينجح ترامب فعلا فى تنفيذ هذه السياسات المثيرة للجدل فى حالة فوزه؟" الإجابة ببساطة هى "لا" .. فعلى الرغم من الوعود الانتخابية الرنانة التى تلقى أصداء واسعة عالميا ومحليا، فإن النظام الأمريكى ليس نظاما مركزيا أو أحاديا، فالرئيس لا يمكنه تنفيذ أى سياسة لا تحظى بدعم وموافقة الكونجرس، وفى حالة ترامب، فإن الجمهوريين هم أول من سيعارضون سياسات مرشحهم الرئاسي، فأمريكا دولة تصنع قراراتها فى مؤسسات عتيدة ومعروفة، ولا يمكن لأى مؤسسة فيها أن تنفرد باتخاذ القرار او حتى تنفيذ استراتيجية لا تتفق عليها باقى مؤسسات الدولة. ولذلك يمكن أن نقول إن ترامب إما أنه جاء ليغير هذه المعادلة المتعلقة بمراكز صنع القرار فى الولاياتالمتحدة، أو أنه مجرد "زوبعة فى فنجان"، والحديث عن الاحتمال الأول أكثر إثارة، فعلى الرغم من قدرة النظام الأمريكى على احتواء وكبح جماح أى رئيس يصعد إلى مقعد السلطة، فإن هذا لا ينفى أن صعود ترامب الصاروخى يعكس حقيقة رفض المجتمع الأمريكى لكل ما هو تقليدي، وشعوره بالحاجة إلى صرخة جديدة تعبر عن عدم شعوره بالأمان سواء على الصعيد الاقتصادى أو الأمني. كما أن هذا الصعود يعكس النزعة العنصرية المتزايدة داخل المجتمع الأمريكى والتى أصبحت ترفض كل ما هو مختلف وتلفظ الأقليات والوافدين، ليتحول إلى مجتمع مشوه أشبه ما يكون ببرامج تليفزيون الواقع ذات الطابع الظاهرى البراق المتخم بالانحرافات والنرجسية، وتعكس مدى الانهيار الذى يعانى منه المجتمع.