"ترامب قادم وبقوة" .. ببساطة هذه هى الرسالة التى حملتها جولة "الثلاثاء الكبير" فى الانتخابات التمهيدية الأمريكية للعالم أجمع. فعلى الرغم من السخرية التى استقبل بها الكثيرون تصريحات الملياردير الأمريكى دونالد ترامب المرشح الجمهورى المحتمل للبيت الأبيض العنصرية سواء ضد المهاجرين أو المسلمين أو حتى الأقليات، فإن الجولات التمهيدية المتتالية أثبتت أن تلك التصريحات المثيرة للجدل والاستهجان تعكس الواقع الأمريكى الجديد، الذى سيطرت عليه نزعة عنصرية أصبح من الصعب إخفاؤها. فمع حصد ترامب أصوات الجمهوريين فى ولايات " الثلاثاء الكبير" ال12، فى مقابل الفوز الكبير لوزيرة الخارجية السابقة هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية المحتملة للرئاسة الأمريكية، أصبحت المواجهة محتومة بين كل من هيلارى وترامب فى المعركة الرئاسية الفاصلة فى نوفمبر المقبل، لترجح جميع المؤشرات كفة ترامب، آخذين فى الاعتبار حالة العنصرية المتفجرة داخل المجتمع الأمريكى فى الوقت الراهن. فعلى مدى العامين الماضيين، شهد الشارع الأمريكى حالة من الفوران والعنصرية ضد السود، والتى لم تسلم منها جوائز الأوسكار الفنية للمرة الأولى، وهو ما دمر المعتقد السائد بأن عصر العنصرية الأمريكية فى طريقه للفناء. وتواكبت هذه الأحداث مع صعود نجم ترامب، الذى نظر إليه الكثيرون باعتباره الفقرة الكوميدية أو الترفيهية فى الانتخابات الأمريكية، وتوقع المراقبون سقوطا مدويا له منذ الجولة الأولى للانتخابات التمهيدية الجمهورية. ولكن يبدو أن الرياح لابد وأن تفاجيء السفن، فقد أبدى ترامب صمودا غير متوقع فى جولة بعد الأخرى، لتأتى جولة "الثلاثاء الكبير" لتثبت بما لا يدع مجالا للشك سيطرته على الانتخابات الجمهورية، الأمر الذى يثير قلق الجمهوريين بقدر ما يبث القلق فى صدور عقلاء العالم. فوفقا لصحيفة "الجارديان" البريطانية، فإن ترامب خلق حالة من "الترامبيزم"، أو "الترامبية"، وهى ليست تيارا فكريا أو منهجا محددا، ولكنها حالة من الغضب والعزلة، وبالتالى فإن استمرار صعوده، الذى يصعب السيطرة عليه، واحتمالات فوزه القوية حتى الآن بترشيح الحزب – ومن ثم البيت الأبيض - تثير القلق من أن تكون عنصرية هذا الرجل بداية النهاية للديمقراطية الأمريكية. فالأرقام تؤكد أن غالبية مؤيدى ترامب من الفئات الأقل تعليما فى الولاياتالمتحدة، خاصة بين طوائف الشباب ، فى مجتمع يعانى بشكل عام من فقر ثقافى ملحوظ، وإن كان يتمتع بقدر كبير من الحريات. والطريف أن ترامب لا يحظى بدعم أو تأييد قيادات الحزب الجمهورى نفسه، الذين يرفضون بشدة آراءه الانعزالية وفكرة بناء جدار بين الولاياتالمتحدة والعالم الخارجي، ويفضلون مرشحا أكثر تقليدية مثل السيناتور ماركو روبيو. ولكن يبدو أن هناك انفصالا تاما بين رغبة قيادات الحزب وأنصاره، وهذا الصراع الداخلى ، جعل الإخوين "كوتش" أبرز المانحين للحزب الجمهورى ينأيان بنفسيهما عن هذا الصراع، مؤكدين أنهما يرفضان التدخل فى الانتخابات التمهيدية لصالح مرشح ضد الآخر، وهو الأمر الذى يعزز فرص ترامب القوية فى الفوز بترشيح الحزب لمنصب الرئاسة. أما على الصعيد الديمقراطي، فإن هيلارى كلينتون تواصل تقدمها المتوقع فى الانتخابات التمهيدية متفوقة على منافسها السيناتور بيرنى ساندرز، الذى فشل فى الاستفادة من جولة "الثلاثاء الكبير" لصالحه. وهو ما تسبب فى حالة إحباط لأنصاره ربما تكلفه الانتخابات التمهيدية وخسارة ترشيح الحزب. وعلى النقيض من ترامب، فإن كلينتون تلعب بورقة الأقليات، فهى تعتمد بشكل كلى على أصوات الأمريكيين من أصل أفريقى وأصوات "الهيسبانيكس" ذوى الأصول الإسبانية، وهى الفئة التى يتجاهلها ترامب تماما، ويبدو أن الديمقراطيين يعولون على هذه النقطة، بعد أن أصبح فوز هيلارى أمرا مسلما به. فالرئيس باراك أوباما ألقى بثقله خلف وزيرة خارجيته السابقة، مطالبا أنصاره من الأقليات والملونين من جميع الفئات بالتصويت لهيلاري، مما يرجح بالطبع كفتها فى مواجهة ساندرز. ولكن يبدو أن المعركة النهائية المرتقبة – على الأغلب - بين كلينتون وترامب فى نوفمبر القادم ستكشف عن حقيقة موقف المجتمع الأمريكى العنصري، ومدى التحولات التى طرأت عليه فى الآونة الأخيرة من حيث تقبله للآخر بغض النظر عن اختلاف الثقافة والتوجهات. وقد تكون "الترامبية" أكثر من مجرد آراء متطرفة أو عنصرية أو مجنونة، بقدر ما تكون وسيلة لكشف المجتمع الأمريكى الذى يميل قطاع كبير منه إلى الآراء والمواقف نفسها، وقد يأتون بالرجل بالفعل فى النهاية إلى البيت الأبيض!